وَلَكِنْ لَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا نَبَّهَ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي فُسِّرَتِ الْآيَةُ بِهِ، قَالَ فِيهِ:
فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ، خَرَّجَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
فَجَعَلَ مِنْ شَأْنِ الْمُتَّبِعِ لِلْمُتَشَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِيهِ وَيُقِيمُ النِّزَاعَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِغَ الْمُتَّبِعَ لِمَا تَشَابَهَ مِنَ الدَّلِيلِ لَا يَزَالُ فِي رَيْبٍ وَشَكٍّ، إِذِ الْمُتَشَابِهُ لَا يُعْطَى بَيَانًا شَافِيًا، وَلَا يَقِفُ مِنْهُ مُتَّبِعُهُ عَلَى حَقِيقَةٍ، فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يُلْجِئُهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِهِ، وَالنَّظَرُ فِيهِ لَا يَتَخَلَّصُ لَهُ، فَهُوَ عَلَى شَكٍّ أَبَدًا، وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ، لِأَنَّ جِدَالَهُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي مَوَاقِعِ الْإِشْكَالِ الْعَارِضِ طَلَبًا لِإِزَالَتِهِ، فَسُرْعَانَ مَا يَزُولُ إِذَا بَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ النَّظَرِ.
وَأَمَّا ذُو الزَّيْغِ فَإِنَّ هَوَاهُ لَا يُخَلِّيهِ إِلَى طَرْحِ الْمُتَشَابِهِ. فَلَا يَزَالُ فِي جِدَالٍ عَلَيْهِ وَطَلَبٍ لِتَأْوِيلِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَقَصْدِهِمْ أَنْ يُنَاظِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَأَنَّهُ اللَّهُ، أَوْ أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، مُسْتَدِلِّينَ بِأُمُورٍ مُتَشَابِهَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: فَعَلْنَا وَخَلَقْنَا وَهَذَا كَلَامُ جَمَاعَةٍ. وَمِنْ أَنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ كَلَامُ طَائِفَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى أَصْلِهِ وَنَشْأَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكَوْنِهِ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَتَلْحَقُهُ الْآفَاتُ وَالْأَمْرَاضُ. وَالْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي السِّيَرِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَتَوْا لِمُنَاظَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُجَادَلَتِهِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute