إِمَّا مَعَ الْبَقَاءِ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ إِذْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ أَوْ مَعَ الْهِجْرَةِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا - وَجَمِيعُ ذَلِكَ خُطَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنِ الْإِيمَانِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ».
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّنَا عَدُّ النَّاجِيَةِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثًا بِاعْتِبَارٍ، وَعَدُّهَا وَاحِدَةً بِاعْتِبَارٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي عَدِّهَا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، فَتَصِيرُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ سَبْعِينَ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ فِرَقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِرَقِ غَيْرِهَا، مَعَ قَوْلِهِ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ».
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَوَابِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُتْرَكَ الْكَلَامُ فِي هَذَا رَأْسًا إِذَا خَالَفَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ثِنْتَيْنِ وَسَبْعَيْنِ.
وَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الَّتِي نَجَتْ لَيْسَتْ فِرَقًا ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا هِيَ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ انْقَسَمَتْ إِلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْوَاقِعَةَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ هِيَ قَوْلُهُ نَجَا مِنْهَا ثَلَاثٌ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا بِثَلَاثِ فِرَقٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرَ الْمَسَاقِ. وَلَكِنِّ قَصْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَمَعَانِي الْحَدِيثِ أَلْجَأَ إِلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute