وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَسِوَاهُمَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا حَيْثُ لُقُوا مَطْرُودِينَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، مَحْجُوبِينَ عَنْ كُلِّ لِسَانٍ، مُبْعَدِينَ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا تَمَادِيًا عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَمُدَاوَمَةً عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: ٤١].
وَحَاصِلُ مَا عَوَّلُوا عَلَيْهِ تَحْكِيمُ الْعُقُولِ الْمُجَرَّدَةِ، فَشَرَّكُوهَا مَعَ الشَّرْعِ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ. ثُمَّ قَصَرُوا أَفْعَالَ اللَّهِ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُمْ وَوَجَّهُوا عَلَيْهَا أَحْكَامَ الْعَقْلِ فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى اللَّهِ كَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا. فَجَعَلُوهُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمِقْدَارَ، بَلِ اسْتَحْسَنَ شَيْئًا يَفْعَلُهُ وَاسْتَقْبَحَ آخَرَ وَأَلْحَقَهَا بِالْمَشْرُوعَاتِ، وَلَكِنَّ الْجَمِيعَ بَقُوا عَلَى تَحْكِيمِ الْعُقُولِ، وَلَوْ وَقَفُوا هُنَالِكَ لَكَانَتِ الدَّاهِيَةُ عَلَى عِظَمِهَا أَيْسَرَ، وَلَكِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا هَذِهِ الْحُدُودَ كُلَّهَا إِلَى أَنْ نَصَبُوا الْمُحَارَبَةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بِاعْتِرَاضِهِمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِمَا مِنَ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ وَمُنَافَاةِ الْعُقُولِ وَفَسَادِ النُّظُمِ مَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ.
قَالَ الْعُتْبِيُّ: وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّعْنِ مُلْحِدُونَ، وَلَغُوا وَهَجَرُوا، وَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، بِأَفْهَامٍ كَلَيْلَةٍ، وَأَبْصَارٍ عَلِيلَةٍ، وَنَظَرٍ مَدْخُولٍ، فَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَعَدَلُوا بِهِ عَنْ سَبِيلِهِ، ثُمَّ قَضُوا عَلَيْهِ بِالتَّنَاقُضِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَاللَّحْنِ، وَفَسَادِ النَّظْمِ وَالِاخْتِلَافِ، وَأَدْلَوْا بِذَلِكَ بِعِلَلٍ رُبَّمَا أَمَالَتِ الضَّعِيفَ الْغُمْرَ، وَالْحَدِيثَ الْغِرَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute