للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ أَصْلًا، لِأَنَّ الْعَقْلَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَالشَّرْعَ إِنْ يَشَأْ عَلَى مَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَعُمُومُهُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَادِيًّا، وَالْعَادَةُ إِنَّمَا تَقْتَضِي فِي الْعُمُومِ الْأَكْثَرِيَّةَ، لَا نَحْتَاجُ الشُّمُولَ الَّذِي يَجْزِمُ بِهِ الْعَقْلُ إِلَّا بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي الْأُصُولِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا مَنْ كَانَ عَامِلًا بِبِدَعٍ ثُمَّ تَابَ مِنْهَا وَرَاجَعَ نَفْسَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، كَمَا رَجَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ مَنْ رَجَعَ حِينَ نَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَمَا رَجَعَ الْمُهْتَدِي وَالْوَاثِقُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ عَنِ السُّنَّةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، وَإِذَا جُعِلَ تَخْصِيصٌ بِفَرْدٍ لَمْ يَبْقَ اللَّفْظُّ عَامًّا وَحَصَلَ الِانْقِسَامُ.

وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ أَعْطَى أَوَّلُهُ أَنَّ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ ذَلِكَ الِافْتِرَاقَ مِنْ غَيْرِ إِشْعَارٍ بِإِشْرَابٍ أَوْ عَدَمِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ فِي أُمَّتِهِ الْمُفْتَرِقِينِ عَنِ الْجَمَاعَةِ مِنْ يُشْرَبُ تِلْكَ الْأَهْوَاءَ، فَدَلَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يُشْرَبُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا.

وَيَبْعَدُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ فِي مُطْلَقِ الْأُمَّةِ مَنْ يُشْرَبُ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، إِذْ كَانَ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ نَوْعٌ مِنَ التَّدَاخُلِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِذَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي الْأُمَّةِ الْمُفْتَرِقَةِ بِسَبَبِ الْهَوَى مَنْ يَتَجَارَى بِهِ ذَلِكَ الْهَوَى اسْتَقَامَ الْكَلَامُ وَاتَّسَقَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ الِانْقِسَامُ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْفِرْقَةِ مَنْ يَتَجَارَى بِهِ الْهَوَى كَتَجَارِي الْكَلْبِ، وَمَنْ لَا يَتَجَارَى بِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَخْتَلِفَ التَّجَارِي، فَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الْغَايَةِ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ يَكَادُ، وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ.

فَمِنَ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ الْخَوَارِجُ بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>