الْجَارِيَةُ عَلَى الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَأَحْكَامُهَا قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْظَرُ الْمُجْتَهِدِ إِلَى أَيِّ دَلِيلٍ يَسْتَنِدُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا، فَهِيَ الْبِدَعُ الْمُحْدَثَاتُ، إِذْ لَوْ كَانَتْ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا لَمَا سَكَتَ عَنْهَا فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهَا مَسْكُوتٌ عَنْهَا بِالْفَرْضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَتْ بِمُحْتَاجٍ إِلَيْهَا. فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قَدْ كَمُلَ الدِّينُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَنَّهُمْ لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ قَطُّ إِيرَادُ ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: لِمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ؟ وَعَلَى حُكْمِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلِيَّ حَرَامٌ؟ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ عَنِ الشَّارِعِ نَصًّا، بَلْ قَالُوا فِيهَا وَحَكَمُوا بِالِاجْتِهَادِ، وَاعْتَبَرُوا بِمَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ تَرْجِعُ فِي التَّحْصِيلِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالنَّصِّ فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى. فَقَدْ ظَهَرَ إِذًا وَجْهُ كَمَالِ الدِّينِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ.
وَنَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ مُبَرَّأً عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّضَادِّ، لِيَحْصُلَ فِيهِ كَمَالُ التَّدَبُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] فَدَلَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَهُوَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيُعَضِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
فَأَمَّا جِهَةُ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْفَصَاحَةَ فِيهِ مُتَوَاتِرَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِخِلَافِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ.
فَإِنَّكَ تَرَاهُ إِلَى الِاخْتِلَافِ مَا هُوَ فَيَأْتِي بِالْفَصْلِ مِنَ الْكَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute