العقل إنما يجد في العالم جواهر وأعراضاً وصفات وموصوفات وقابليات ومقبولات، وكلها بالقياس إلى الأجسام خارجة عنها، وباعتبار مجموعها - أعني الصفات والموصوفات - تكون داخلة فيها، وليس في العقل إلا هذان القسمان، ولا يوجد داخل وخارج البتة.
وإنما يتعين الداخل من الخارج بأحد طريقين: أحدهما أن يعلم عن واضع اللفظ أنه وضع لأمرين فيعلم أن كل واحد منهما داخل في المسمى، وأن ما عداهما خارج عنهما، كما فهم عن العرب أنهم وضعوا الإنسان للحيوان الناطق فقط، فلذلك كان الناطق داخلاً والضاحك خارجاً، فلو فهم عنهم أنهم وضعوا الللفظ للحيوان والضاحك داخلاً فصلا، أو وضعوا الثلاثة كان كل واحد مهما داخلاً وعلى هذا القانون.
الطريق الثاني: أن يخترع العقل ويفرض حقيقة مركبة من شيئين فيكون ما عداهما خارجاً عنهما أما إذا لم يوجد فرض عقلي ولا وضع لغوي استد باب معرفة الداخل والخارج فتأمل ذلك؛ فأكثر الناس ينكره ويقول نحن نعلم أجزاء الحقيقة والمركبات وأجزاءها في بعض المواضع بالضرورة فرض وضع أم لا: وقد دخل الغلط عليه من جهة أن تلك المركبات إنما حصلت في ذهنه على تلك الصورة من جهة مسميات الألفاظ، وتقرر في ذهنه من كل لفظ مسمى فيه أجزءا داخلة وما عداها خارج عنها، ولما استكشف ذلك اعتقد أنه بالعقل وإنما جاءه من جهة الوضع، فإذا قيل له ما مسمى السكنجبين نقول له جزءان الخل والسكر وما نفعه للصفراء أو غير ذلك فأمور خارجة، وذلك إنما جاءه من جهة وضع لفظ السكنجبين لهذين الجزأين على الصفة المخصوصة فلو فرضناه موضوعاً لأربعين عقاراً
كان كل واحد منهما داخلاً في المسمى، أو وضع السكر وحده لم يكن الخل داخلاً، فهذا تحرير الداخل والخارج.
الفائدة الثالثة: أن الناطق معناه عندهم المحصول للعلوم بقوة الفكر فهو يرجع إلى قبول تحصيل العلوم بالفكر وهذه القابلية مثل قابلية الضحك في أنها قابلية