ويتحصل في اقتضائه للفساد أربعة مذاهب: يقتضي الفساد، لا يقتضيه، الفرق بين المعاملات والعبادات، يفيد الفساد على وجه تثبت مع شبهة الملك وهو مذهب مالك.
حجة اقتضائه للفساد مطلقاً أما في العبادات فلأنه أتى بالمنهي عنه، والمنهي عنه غير المأمور به؛ فلم يأتي بالمأمور به، ومن لم يأت بالمأمور به بقي في عهدة التكليف، وهو المعنى بقولنا: النهي يقتضي الفساد في العبادات، وأما في المعاملات فلأن النهي يعتمد وجود المفسدة الخالصة أو الراجحة في المنهي عنه، فلو ثبت الملك والإذن في التصرف لكان ذلك تقريراً لتلك المفسدة، والمفسدة لا ينبغي أن تقرر، وإلا لما ورد النهي عنها. والمقدر ورود النهي عنها، هذا خلف، وقياساً على العبادات.
حجة عدم اقتضائه مطلقاً، أما في العبادات فإنه لا تنافي بين قول صاحب الشرع نهيتك عن الصلاة في الدار المغصوبة، وإذا أتيت بها جعلتها سبباً لبراءة ذمتك، كما حكى فيها الإجماع، وعن الوضوء بالماء المغصوب، والصلاة في الثوب المغصوب، والحج بالمال المغصوب، وإذا أتيت بهذه العبادات جعلتها سبباً لبراءة ذمتك، فإن مصالح العبادات حاصلة في تلك الصور، وإنما قارنتها مفسدة، ومقصد البراءة حصول المصلحة لا عدم مقارنة المفسدة، لأنه لو أعطاه دينه وضربه لم يقدح ذلك في براءة الذمة من الدين، ولا في مصلحة الدراهم المأخوذة.
وأما الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - فقد طرد أصله وأبطل العبادات في هذه الصور كلها، فيتعذر القياس معه، ويبقى الاستدلال بحصول المصلحة. وأما في المعاملات فلأن الأسباب الشرعية ليس من شرط إفادتها للملك أن تكون مشروعة في نفسها، فالسرقة محرمة، وهي سبب القطع والغرم وسقوط العدالة غير ذلك، وكذلك الزنا والحرابة والقذف محرمات. وهي أسباب لأحكام إجماعاً، وكذلك الطلاق في زمن الحيض حرام، ويترتب عليه أثره الذي هو إزالة العصمة، فقد يكون السبب حراماً، وقد يكون واجباً كالزواج في حق من وجب عليه، ويكون ذلك سبباً لوجوب النفقة وغيرها، والإعتاق واجب للولاء وغيره، وقد