يكون مندوباً كالزواج المندوب والعتق المندوب، وقد يكون مباحاً كالزواج المباح، وقد يكون مكروهاً كالزواج المكروه. فقواعد الشريعة تشهد أنه ليس من شرط السبب أن يكون مشروعاً ولا مساوياً لمسببه في الحكم، بل يكون السبب حراماً وللمترتب عليه واجباً.
وبهذا يظهر بطلان التشنيع على المالكية حيث جعلوا ترك السنة في الصلاة سبباً لوجوب السجود، فقل لهم كيف يكون ترك المندوب سبب الوجوب، وكيف يكون الفرع أقوى من أصله وجوابهم ما تقدم.
حجة الفرق: أن البراءة تعتمد الإتيان بالمأمور به ولم يأت به، فتبقى العهدة، وإذا كان المندوب لا يجزئ عن العبادة الواجبة فأولى المحرم، فلو صلى ألف ركعة ما نابت عن صلاة الصبح، وأما المعاملات فهي أسبا، والسبب ليس من شرطه أن يكون مأموراً به، حجة شبهة الملك مراعاة الخلاف، وأما ما يتصل به على أصولنا فلأن البيع المحرم إذا اتصل به عندنا أحد أمور أربعة تقرر الملك فيه بالقيمة: وهو تغير الأسواق أو تغير العين أو هلاكها، أو تعلق حق الغير بها على تفصيل مذكور في كتب الفقه.
وأما قول أبي حنيفة في الصحة فحجته أن الصحة لو كانت مفقودة لامتنع النهي، لأنه لا يقال للأعمى لا تبصر، ولا للزمن لا تطير، وما ذاك إلاّ لعدم صحة ذلك منهما، فدل على أن النهي يدل على حصول الصحة، والصحة عبارة عن ترتب الملك والآثار والمكنة من التصرفات، فلهذه القاعدة قالوا إنه إذا باع درهماً بدرهمين أو غيره من الربويات متفاضلاً حصل الملك في أحد الدرهمين ورد الدرهم الزائد، وكذلك إذا اشترى أمة شراءً فاسداً يجوز له وطئها ابتداءً، ويجوز له أكل الطعام وغير ذلك مِمّا اشتراه شراءً فاسداً، بناءً على حصول الصحة المفسرة بالإذن في التصرف.
القاعدة: الصحة ثلاثة أقسام: صحة عقلية، وهو إمكان الشيء وقبوله للوجود
والعدم في نظر العقل، كإمكان العالم والأجسام والأعراض، وصحة عادية كالمشي