للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاحتمال كساها الإجمال، وسقط بها الاستدلال، فجعلها مجملة لا يستدل بها مع الاحتمال، وفي القول الأوّل جعلها عامة ليستدل بها، فذكرت هذا لبعض العلماء الأعيان، فقال يحمل ذلك على أنه قولان له اختلفا كما يختلف أقول العلماء في المسائل بالنفي والإثبات.

والذي يظهر لي أن ذلك ليس باختلاف، بل هنا تحرير، وهو أن معنى قولا لعلماء حكاية الحال أو واقعة العين إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال أنه الاحتمال المساوي أو المتقارب، وأما الاحتمال المرجوح فلا يمكن أن يكون مسقطاً للاستدلال؛ فإنه لا يكاد يوجد نص لاحتمال فيه ولا واقعة لاحتمال فيها، ولكن تلك الاحتمالات مرجوحة، والعمدة على الظواهر، بل المقصود الاحتمال المساوي، لأن به يحصل الإجمال والظاهر لا إجمال فيه.

وإذا تقرر هذا فأقول: الاحتمال المساوي إما أن يكون في دليل الحكم أو في محل الحكم، فإن كان دليل الحكم حصل الإجمال في الدليل فيسقط به الاستدلال كقوله عليه الصلاة والسلام في المحرم: «لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً» فهذا حكم في رجل بعينه يحتمل أن يكون ذلك خاصاً به فيجوز أن يمس غيره الطيب ويحتمل أن يعمه ويعم غيره من المحرمين كما قاله الشافعي. وليس في اللفظ تعرض لغيره بل يحمل التعميم وعدمه على الاستواء فيسقط به الاستدلال على تعميم الحكم في المحرمين؛ لأنه إجمال في الدليل، وتارة يكون الاحتمال المساوي في محل الحكم والدليل لا إجمال فيه كقصة غيلان، فإن قوله عليه الصلاة والسلام «أمسك أربعاً» ظاهر في الإذن في الأربع غير معينات، والإجمال إنّما هو في عقود النسوة التي هي محل الحكم، فيصبح الاستدلال على التعميم، فله أن يختار، تقدمت العقود أو تأخرت، اجتمعت أو تفرقت.

فأبو حنيفة يقول إذا تقدمت العقود على أربع وعقد بعد ذلك على غيرهن حرم عليه الاختيار من غير تلك الأربع لوقوعهن بعدهن، ونكاح الخامسة وما بعدها لا يقر، وإنما الحديث محمول على ما إذا عقد عليهن عقداً واحداً فلا يتعين الباطل من الصحيح، فيختار.

<<  <   >  >>