هذا الموضع مشكل، لأن العلماء اختلفوا في رواية الحديث بالمعنى، فإن منعناه امتنع هذا الفصل؛ لأن قول الراوي نهي ليس لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن قلنا بجوازه فمن شرطه أن لا يزيد اللفظ الثاني على الأوّل في معناه ولا في جلائه وخفائه، فإذا روى العدل المعنى بصيغة العموم في قوله الغرر، تعين أن يكون اللفظ المحكى عموماً، وإلا كان ذلك قدحاً في عدالته حيث روى بصيغة العموم ما ليس عاماً، والمقرر أنه عدل مقبول القول، هذا خلف، فلا يتجه قولنا الحجة في المحكى لا في الحكاية، بل فيهما؛ لأجل قاعدة الرواية بالمعنى.
نعم قول الراوي قضى بالشفعة له معنيان: أحدهما قضى بمعنى نفذ الحكم بين الخصوم كما يفعله القضاة، فهذا يستحيل فيه العموم في اشلفعة، فإن جميع الشفعات إلى يوم القيامة يستحيل الحكم بها بين خصومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثانيهما حكم بمعنى ألزم من باب الفتيا وتقرير قواعد الشريعة كقوله تعالى:«وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحسانا» ، أي أمركم بهذا وقدره فهذا يتصور فيه العموم، فإن تعلق الأمر بما لا يتناهى من العمومات ممكن، وكذلك القول في قوله حكم بالشاهد واليمين يحتمل التصرف بالقضاء، والتصرف بالتبليغ والفتيا، غير أن (حكم) أبلغ في الظهور في القضاء دون الفتيا من لفظ (قضى) ، ومتى تعارضت الاحتمالات سقط الاستدلال، غير أنه يحسن من الراوي أن يطلق لفظ العموم إذا كان المراد التصرف بالقضاء بناءً منه على أن المراد بلام التعريف حقيقة الجنس لا استغراق الجنس؛ اعتماداً على قرينة تعذر الحكم بجميع أفراد العموم وأما إن كان المراد الفتيا والتبليغ فيتعين أن المحكى عام مثل لفظ الحكاية وإلا لزم القدح في عدالة الراوي. وأما (كان) فأصلها أن تكون في اللغة كسائر الأفعال لا تدل إلاّ على مطلق وقوع الفعل في الزمان الماضي، وهو أعم من كونه تكرر بعد ذلك أو لم يتكرر، انقطع بعد ذلك أو لم ينقطع.
هذا هو مدلولها لغة، غير أن العادة جارية بأن القائل إذا قال كان فلان يتهجد بالليل لا يحسن ذلك منه إلاّ وقد كان ذلك متكرراً منه في الزمن الماضي، وأما