للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: «وكان الله غفوراً رحيماً» (١) ، «وكان الله بكل شيءٍ عليماً» (٢) فدلت قرينة

أن الله تعالى موصوف بذلك دائماً، على أن المراد الحالة المستمرة الماضي والحال والمستقبل، بخلاف قولنا كنا نفعل كذا، أو كان زيد يفعل كذا، إنّما يتناول التكرار في الزمن الماضي خاصة، وهذه كلها قرينة زائدة على اللغة، واللفظة من حيث اللغة لا تفيد العموم، وهو وجه من يقول إنها لا تفيد العموم، والقائل الآخر يقول يفيده عرفاً، ويريد بالعموم التكرر على الوجه المتقدم وهو غير العموم، فيكون إطلاقه العموم عليه مجازاً.

ووقع في (كان) بحث آخر للفضلاء أرباب المعقول، وهي أنها فعل يصدق على الوجود الواجب الذي يستحيل عليه العدم، كوجود الله تعالى، فمنعه جمع كثير وقالوا لا يصح على وجود الله تعالى (كان) فإنه يشعر بالتقضي والعدم؛ والصحيح جوازه، لأنه ليس فيها إلاّ أن الوجود قارن الزمان والماضي، أما إنه انعدم بعد ذلك فلا، فنقول كان الله ولا شيء معه، ولا محذور في ذلك فتأمل ذلك.

قال القاضي عبد الوهاب: إن (سائر) ليست للعموم، فإن معناها باقي الشيء لا جملته، وقال صاحب الصحاح وغيره من الأدباء إنها بمعنى جملة الشيء، وهو مأخوذة من سور المدينة المحيط، لا من السور الذي هو البقية، فعلى هذا يكون للعموم، وعلى الأوّل الجمهور والاستعمال.

الصحيح أن أصلها الهمزة من السور الذي هو البقية، وتسهل الهمزة فيقال سور بغير همز، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «فارق سائرهن» أي باقيهن.

وقال ابن دريد:

حاشى لما أسأره فيّ الحجا ... والحلم أن أتبع روَّاد الخَنا

أي أبقاه في الحجا، والحجا العقل، وعلى هذا لا يكون للعموم بل بقية الشيء، وذلك صادق على أقل أجزائه.


(١) ٩٩ النساء.
(٢) ٤٠ الأحزاب.

<<  <   >  >>