للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السر في قول العلماء لو قالت ذرية آدم في قوله تعالى: «ألست بربكم» (١) نعم، كفروا بسبب أن ليس للسلب والاستفهام وقع عن السلب، فلو قالوا نعم كانوا قد قرروا عدم الربوبية وهو كفر، لكن قالوا بلى فكانوا نافين لذلك النفي فكانوا مثبتين للربوبية وهو الحق.

إذا تقرر أن هذه الحروف لا تستعمل إلاّ في جواب التصديق، فقول القائل أكل الرجل في الدار؟ سؤال عن تصديق، حسن جوابه بنعم أو لا. ومن في الدار؟ سؤال عن تصور، كأنه قال صور لي الحقيقة الكائنة في الدار من هي؟ فلا يسعه أن يقول إلاّ زيد ونحوه، ولم يسأله عن التصديق، حتى يجاوبه بجواب التصديق، وبهذا يظهر لك أن العموم تارة يكون في التصور، وتارة يكون في التصديق، وتارة يكون في متعلق التصديق، نحو أكرمت الرجال، أو الأمر نحو أكرم الرجال، أو النهي نحو لا تشتم الرجال، فهو أعلم من هذه الأقسام كلها، فقولنا من في الدار؟ طلب تصور الحقيقة الكائنة في الدار إن كانت وجدت وعم الاستفهام في جميع رتبها. وقولنا أَكُلَّ الرجال في الدار؛ سؤال على قول القائل كلّ الرجال في الدار، هل هو صادق أو كاذب، فإن قلت أنت نعم فقد صدق أو لا فقد كذب المخبر الأوّل الذي يسأل عن خبره، فإن قلت من عندك تصديق بالضرورة لأن من مبتدأ وعندك خبره بإجماع النحاة، ولذلك حسن السكوت عليه فينبغي أن يحسن فيه نعم أو لا، كما تقدم. قلت مسَلم هو تصديق لكن التصديق له حالتان، تارة يكون التصديق بين جزأيه للخبر، وتارة لا يكون، فمن الأوّل قولنا: الله ربنا ومحمد نبينا، ومن الثاني قولنا: قول الكافر العالم قديم؛ فالعالم قديم تصديق لكن التصديق فيه ليس لنا بل للكافر فنحن أخذنا بجزأيه جعلناه تصوراً مبتدأ، وأخبرنا عنه، وكذلك قلنا خبر الله تعالى صدق والخبر تصديق، وقد جعلناه نحن مبتدأ فجرى بالنسبة إلينا تصوراً، وهو تصديق باعتبار نسبته إلى الله تعالى، كذلك من عندك؟ هو تصديق لكن المستفهم أخذه على سبيل التصور لم يجزم بإسناد أحد جزأيه إلى الأخر، فهو تصور من هذا الوجه، وكذلك قولك ما الإنسان ما الحيوان؟ مبتدأ وخبر، ولا يحسن فيه الجواب بنعم أو لا؛ لأن السؤال وقع عن تصوير الإنسان أو الحيوان.


(١) ١٧٢ الأعراف.

<<  <   >  >>