وقياس الشبه قال القاضي وغيره هو الذي لا يكون مناسباً في ذاته ويكون مستلزماً للمناسب، كقولنا في الخل إنه لا يزيل النجاسة مائع لا تبنى القنطرة على جنسه، فلا يجوز أن تزال به النجاسة كالدهن، فقوله لا تبنى القنطرة على جنسه ليس فيه مناسبة، لكن هذا الوصف يشعر بالعلة؛ فإن عدم البناء يدل على قلته لأن العادة جرت بأن القناطر لا تبنى إلاّ على المائع الكثير، فما لا تبنى عليه قنطرة فهو غير كثير، والطهارة مشروع عام يقتضي اللطف بالمكلف أن لا يشرع إلاّ بما هو متيسر موجود في كلّ مكان وزمان، فالعلة تناسب حينئذ المنع، فهذه هو المناسب الذي استلزمه ذلك الوصف الطردي.
ولا شك أن هذا قياس ضعيف بالنسبة إلى قياس المعنى فلا يتعين عند هذا القائل أن يسلطه على النصوص، حتى أن القاضي قال قياس الشبه ليس بدليل شرعي البتة، ومرادهم بقولهم ما تفهم علته أن يسبق إلى الفهم من كلام الشارع ما يعين علته (١) عند سماع اللفظ فإن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» يفهم منه أن المانع ما يشوش الفكر، فيتعدى للجائع والحاقن وغيرهما بجامع ما يشوش الفكر، وأما قول الآخر ما ينقض القضاء بخلافه فهو تفسير يلزم منه الدور، وذلك أن الفقهاء يقولون ينقض قضاء القاضي إذا خالف الإجماع أو النص أو القياس الجلي أو القواعد، فينبغي أن يكون القياس الجلي معلوماً قبل النقض، وإذا عرف بالنقض توقف كلّ واحد منهما على معرفة الآخر فلزم الدور.
وأما قول الغزالي، فتقريره أن القياس تختلف مراتبه في الظنون، فالمنصوص علته يفيد الظن أكثر من المستنبطة علته، والقياس على أصل مجمع عليه أولى من القياس على أصل منصوص عليه مختلف فيه، والثابت علته بالنص أولى من الثابت علته بالإيماء، وبالإيماء أقوى من المناسبة، وبالمناسبة أقوى من الطردي، إلى غير