للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك، كما يذكر (١) في ترجيح الأقيسة، فظهر أن إفادة القياس المطلوب تختلف رتبته في ذلك، وكذلك العموم، فإن العموم متى كان قليل الأنواع كانت إفادته للظن أقوى مِمّا كثرت أنواعه، فإن احتمال التخصيص فيه أقل، والعام من اللفظ الذي لم تجر العادة باستعماله مجازاً يفيد الظن أكثر من

الذي جرت العادة باستعماله مجازاً، والمختلف في دخول التخصيص فيه أضعف مِمّا لم يجر الخلاف في تخصيصه بغير ذلك القياس، فرتب الظنون أيضاً مختلفة في العموم، وإذا كانت الرتبة مختلفة في القياس والعموم، فإذا تعارض قياس وعموم نظرنا بين الرتبتين، فإن وجدنا الظنين في أنفسنا سواء توقفنا حتى يحصل مرجح من خارج أو يسقطان، وإن وجدنا ظن أحدهما أقوى قدمنا الراجح، وهذا مذهب حسن بعضده قوله عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر» .

وأما توقف إمام الحرمين والقاضي فلتعارض المدارك. فهذه ستة مذاهب، وأما إذا كان أصل القياس ثابتاً بأخبار الآحاد كان المنع من التخصيص به أظهر، لأنه أظهر لضعف اصله.

وبجوز عندنا تخصيص السنة المتواترة بمثلها، وتخصيص الكتاب بالسنة المتواترة كانت قولاً أو فعلاً خلافاً لبعض الشافعية.

لنا أن الخاص والعام إذا اجتمعا فإما أن يعمل بهما، أو لا يعمل بهما، أو يقدم العام على الخاص، أو الخاص على العام، والأقسام الثلاثة الأوّل باطلة فتعين الرابع، وقد تقدم بسطه وتصوير هذه المسألة في السنتين المتواترتين في زماننا عسر فإن التواتر في الأحاديث قل في زماننا أو انقطع لقلة العناية برواية الحديث، ولم يبق فيها إلاّ ما يفيد الظن، حتى قال بعض الفقهاء ليس في السنة متواتر إلاّ قوله عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات» ، وعند التحقيق لا نجده متواتراً عندنا، وأين العدد الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات بيننا وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! غايتنا أن نرويه عن اثنين عن ثلاثة عن عشرة وهو عزيز إسناداً


(١) في المخطوطة: مِمّا يذكر.

<<  <   >  >>