فائدة: العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصاً ومجازاً وغيره، بخلاف العوائد الفعلية، مثاله ما إذا كان الملك لا يلبس إلاّ الخز ويطلق دائماً الثوب على الخز وغيره، فإذا حلف لا يلبس ثوباً حنث بالخز وغيره، وعادته الفعلية لا تقضي على لفظه فتصيره خاصاً بالخز فلا يحنث بغيره، بل يحنث بالجميع، وسببه أن العوائد اللفظية الناسخة ناقلة للغة ومعارضة لها، من جهة أن الناسخ مقدم على المنسوخ ومبطل له، وأما ترك ملابسه بعض أنواع المسمى أو ملابسة بعضه فلا يؤثر في سبق الذهن إلى ذلك المسمى من حيث هو ذلك المسمى، فكون زيد لا يركب الفرس أو يركبه لا يقدح في أنه إذا قال ركبت حيواناً يتعين حمله على الفرس، إذا كانت عادته يطلق لفظ الحيوان على الجميع، أما إن كان لا يطلق لفظ الحيوان إلاّ على الفرس فهذه عادة لفظية تقضي على لفظه بحمله على الفرس، كذلك إذا قال الملك أو غيره لا دخلت في هذا النهار بيتاً فدخل بيتاً لم يدخله قط حنث، وإن كانت عادته بدخول غير هذا البيت، فتأمل ذلك تجده لا يعارض اللفظ في وضعه في اللغة أصلاً، بل ذلك عُرْف الإطلاق هو المؤثر ليس إلاّ، أما الفعل والملابسة فلا.
وقد حكى فيه الإجماع وليس منه قول العلماء: العرف الخاص هل يقدم على العرف العام؟ قولان، فإن مرادهم بالعرف الخاص عادة خاصة بالإطلاق لا بالفعل والمباشرة، فتأمل ذلك فقد غلط فيه جماعة من أكابر الفقهاء المالكية وغيرهم، حتى جعل بعضهم أن ما وقع للمالكية من حملهم أيمان المسلمين في الحلف على صوم شهرين متتابعين والحج دون الاعتكاف، أنه من باب العرف الفعلي، وأن عادة الناس يصومون كثيراً ويحجون كثيراً دون الاعتكاف. وليس كما قالوا، بل هو لأن عادتهم إذا نطقوا في الأيمان يحلفون بالتزام الحج والصوم، ولم تجر عادتهم بنطقهم في الأيمان بالتزام الاعتكاف، فلذلك لم يندرج الاعتكاف في أيمان المسلمين، ولذلك قالوا إذا حلف لا يأكل رؤوساً فمنهم من حنثه برؤوس الأنعام التي جرت العادة بأكلها خاصة، ومنهم من حنَّثه بجميع الرؤوس، فقال أيضاً منشأ الخلاف
العادة الفعلية بأكل هذه الرؤوس دون غيرها، وليس كما قالوا، بل منشأ الخلاف أن عبادة الناس إذا نطقوا بلفظ الرؤوس في الأيمان يخصون هذا النوع دون غيره، فهذه عادة نطقية، واختلفوا - أعني الفقهاء - هل وصلت هذه الغلبة في النطق إلى حد