للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقديم أحسن لأنه مؤثر فهو متقدم طبعاً فيتقدم وضعاً، وأجاز بعضهم التأخير لأنه لا يستقل بنفسه فأشبه الاستثناء.

ونص على الحس نحو قوله تعالى: «تدمر كلّ شيء بأمر ربها» (١) .

لأن البصر بشاه بقاء الجبال والسموات فيعلم العقل أنها غير مرادة بالعموم ويقرب من هذا الباب تخصيص يسمونه التخصيص بالواقع وقد لا يتعين ولا يعلم لنا كقوله تعالى: «ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم» (٢) يقطع بأن الواقع أن بعض من صدق عليه العصيان لا يعذب، إما لأنه تاب أو بفضل الله تعالى لقوله تعالى: «ويعفو عن كثير» (٣) أو بالشفاعة، لكن هذا الذي خصص من هذه الأنواع غير معلوم لنا الآن عدده ولا أشخاصه ولا صفته، وكذلك عموم قوله تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» (٤) بعض عامل الخير لا يرى خيراً لأنه ارتد أو ظلم فأخذ منه ذلك الخير في ظلمه، ومن عمل شراً لا يرى شراً لما تقدم.

وفي المفهوم نظر، وإن قلنا إنه حجة لكونه أضعف من المنطوق، لنا في سائر طرق النزاع أن ما يدعي أنه مخصص لا بد وأن يكون منافياً وأخص من المخصص، فإن أعملا أو ألغيا اجتمع النقيضان، وإن أعمل العام مطلقاً بطلت جملة الخاص، بخلاف العكس فيتعين، وهو المطلوب.

رأيت الجماعة من الأصوليين أن المفهوم يخصص من غير توقف، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام: «في كلّ أربعين شاة شاة» هذا عام، ثم قال: «في الغنم السائمة الزكاة» ومقتضى مفهومه عدم الزكاة في المعلوفة؛ فمنهم من رجح العموم لأنه منطوق، والمنطوق أولى من المفهوم، ويقول بوجوب الزكاة في المعلوفة، ومنهم من يقول المفهوم أخص من العموم لأنه لم يتناول إلاّ المعلوفة والأخص مقدم على العموم، وهو قول الشافعي في خصوص مسألة الزكاة هذه.


(١) ٣٥ الأحقاف.
(٢) ١٤ النساء.
(٣) ١٥ المائدة.
(٤) ٧ الزلزلة.

<<  <   >  >>