فائدة: في قولي المخصص لا بد أن يكون منافياً للنص المخصص وهو الفرق بين النية المخصصة والنية المؤكدة، وأكثر الذين يفتون لا يطلبون الفرق بينهما في الفتاوى، بل يفتون الناس فيهما سواء، وإذا جاء الحالف وقد حلفت لا لبست ثوباً ونويت الكتان فيقولون لا تحنث بغيره، وليس كما قالوا بل يقولون إذا قال لا لبست ثوباً يقتضي حنثه بأي ثوب كان، ثم النية بعد ذلك لها أحوال: أحدها أن يقول نويت حملة الثياب فيقولون له تحنث بكل ثوب باللفظ وبالنية المؤكدة له. وثانيها: أن يقول نويت بعض الثياب وهي الكتان وتركت غيرها لم أتعرض له فيقول له تحنث بثياب الكتان باللفظ المؤكد بالنية، وبغير الكتان بمجرد اللفظ السالم عن معارضة النية، فإن الصريح يقتضي ثبوت حكمه من غير احتياج إلى نية، بدليل أنه، لو لم يكن لي نية البتة إلاّ في البعض ولا في الكل فإنه يحنث باللفظ الصريح ولا يحتاج معه غيره. وثالثها: أن يقول نويت إخراج غير الكتان من اليمين بأن استحضرته وأخرجته منافية لموجب اللفظ، واللفظ يقتضي الاندراج، وأنت نويت عدم الاندراج فحصل التنافي بين هذه النية وبين اللفظ فهي مخصصة بخلاف التي قبلها، إنّما هي مؤكدة للبعض الذي خطر بالبال، والبعض الآخر لم يخطر بالبال فلم تخرجه النية فوقع الحنث بالجميع.
فالواجب على المفتي أن لا يكتفي بقول المستفتي أردت الكتان، بل حتى يقول له هل أردت إخراج غير الكتان من يمينك فإذا قال نعم حينئذ يفتيه بتخصص حنثه بالكتان، وإلا فلا، فتأمل هذا الموضع فهو عزيز في تخصيصات العمومات في الفتاوى وغيرها.
فإن قلت: هل لو قال والله لا لبست ثوب الكتان لم يحنث بغير الكتان ولم يخطر غير الكتان بباله ولا نفاه بلفظه، وكونه نوى الكتان وذهل عن غيره هو بمنزلة هذا القيد اللفظي، وقد أجمعوا على عدم تحنيثه في هذا القيد اللفظي، وكذلك هذه النية فإنَّها مثله كما تقرر.
قلت: سؤال حسن قويّ، غير أن الجواب عنه حسن جميل؛ وهو أن نقول