للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخصصات اللفظية المتصلة من الغاية والشرط والصفة والإضافة ألفاظ لا تستقل بنفسها؛ وقاعدة العرب أن ما لا يستقل بنفسه إذا جاء عقيب ما يستقل بنفسه جعلت العرب ذلك المستقل بنفسه غير مستقل، ولا يعتبر إلاّ المجموع المركب منهما المستقل وما بعده مِمّا لا يستقلن فيصير الجميع كالكلمة الواحدة.

بدليل ما هو أشد الأشياء ضيقاً وهو الإقرار عند الحاكم، فلو قال له عندي الثياب الزرق أو الدراهم الزائفة لم يلزمه الحاكم غير الموصوف بتلك الصفة ولا يقضي عليه بعموم الثياب ولا الدراهم، فغير الإقرار بطريق الأولى، وما سره إلاّ ما تقدم من القاعدة اللغوية، فهذا هو شأن الصفة وغيرها، لا يستقل، وأما النية فليس للعرب فيها هذا الوضع، بل يعتبر ما نوى، فإن كانت مؤكدة له لم تُغير حكماً أو معارضة له قدمت النية، فافترق البابان.

ومن وجه آخر على تقديم تسليم عدم صحة هذه القاعدة وهو أن اللفظ له دلالة والنية لا دلالة لها، فإن الدلالات من خصائص الألفاظ والإرادة مدلول لا دليل، وإذا تقرر هذا فالقيد يدل بمفهومه على عدم دخول غير الكتان في يمينه بطريق المفهوم ودلالة الالتزام؛ فتكون دلالة اللفظ التزاماً معارضة لظاهر العموم مطابقة، فلما حصل التعارض أمكن التخصيص بالمعارض الأخص، كما تقدم تقريره، والنية لما لم تكن لها دلالة لم يوجد ما يعارض العموم في قصده الكتان خاصة وذهوله عن غيره.

فهذان جوابان سديدان، وبهذه المباحثة يفهم معنى قول العلماء إن العام قد يستعمل في الخاص، فإن معناه إرادة إخراج بعض مسماه عن مدلول اللفظ، وليس معناه إرادة بعضه بالحكم، فتأمل ذلك فالفرق بينهما هو في غاية الظهور، وعند أكثر الفقهاء في غاية الخفاء.

والضمير الخاص لا يخصص عموم ظاهره كقوله تعالى: «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» (١) وهذا عام ثم قال وبعولتهن أحق بردهن في


(١) ٢٢٨ البقرة.

<<  <   >  >>