للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خصصته بالذكر إبعاداً له عن المجاز، والتخصيص بذلك النوع، فإذا نص عليه ينفى احتمال التخصيص فيه دون غيره فلا ينفي احتمال التخصيص فيه البتة، وكذلك قوله تعالى: «وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي» (١) مع أن المنكر عام للام التعريف فيه فهو بعمومه يشمل البغي (٢) فذكره بعد ذلك إنّما هو إشعار بأنه أقبح المنكر وأهم أنواعه بالذكر، فلا يتوهم تخصيص العام المتقدم بإخراجه منه، وكذلك قوله تعالى: «وملائكته وجبريل» (٣) خص جبريل اهتماماً به، وكثير من العلماء يمثل هذا الباب بقوله تعالى: «فيها فاكهة ونخل ورمان» (٤) وليس منه لأن فاكهة مطلق لا عموم فيه حتى يكون أولاً قد تناول الرمان فيخصص بعد ذلك بالذكر، بخلاف المثل السابقة عامة تناولت ما ذكر بعدها.

إذا علم هذا فاعلم أنه قد وقع في المذهب استدلالات على خلاف هذه القاعدة فينبغي أن يتفطن لها فمن ذلك نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يقبض، وهو عام في جميع المبيعات؛ ونهى عن بيع الطعام قبل قبضه، والطعام بعض ذلك العموم، فقال مالك - رحمه الله تعالى - لا يحرم إلاّ بيع الطعام قبل قبضه، قال جماعة من المالكية لأن

العموم المتقدم مطلق وهذا مقيد، والمطلق يحمل على المقيد، وهذا غلط، بل هذا تخصيص العام بذكر بعض أنواعه، والصحيح أنه باطل كما تقدم، والمطلق والمقيد، إنّما معناه أن يكون المطلق ماهية كليّة فيذكر معها أو بعدها قيد نحو «فتحرير رقبة» (٥) وفي آية أخرى «فتحرير رقبة مؤمنة» (٦) فهذه هو المطلق والمقيد الذي يحمل فيه المطلق على المقيد؛ لأن المقيد زاد على الثابت أو لا مدلول القيد، أما إذا كان اللفظ عاماً فالقيد يكون منقصاً إن


(١) ٩٠ النحل.
(٢) في الأصل: المنكر وقد أصلحناها ليستقيم المعنى.
(٣) ٩٧ البقرة.
(٤) ٦٨ الرحمن.
(٥) ٣ المجادلة.
(٦) ٩٢ النساء.

<<  <   >  >>