حجة الشافعي - رضي الله عنه - قوله تعالى:«لتبين للناس ما نزل إليهم»(١) فجعله عليه الصلاة والسلام مبيناً بالسنة للكتاب المنزل، فلا يكون الكتاب ناسخاً للسنة لأن الناسخ مبين للمنسوخ، فيكون كلّ واحد منهما مبيناً لصاحبه فيلزم الدور.
والجواب عنه: أن الكتاب والسنة ليس كلّ واحد منهما محتاجاً للبيان ولا وقع فيه النسخ، فأمكن أن يكون بعض الكتاب مبيناً لبعض السنة، والبعض الآخر الذي لم يبينه الكتاب بيان للكتاب فلا دور، لأنه لم يوجد شيئان كلّ واحد منهما متوقف على الآخر، بل الذي يتوقف عليه من السنة غير متوقف والبعض المتوقف عليه من الكتاب غير متوقف، سلمناه، لكنه معارض بقوله تعالى ف حق الكتاب العزيز:«تبياناً لكل شيء» ، والسنة شيء، فيكون الكتاب تبياناً لها فينسخها وهو المطلوب.
ويجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة لمساواتها له في الطريق العلمي عند أكثر أصحابنا، وواقع كنسخ الوصية للوارث بقوله عليه الصلاة والسلام:«لا وصية لوارث» ونسخ آية الحبس في البيوت بالرجم. وقال الشافعي لم يقع، لأن آية الحبس في البيوت نسخت بالجلد.
واحتجوا أيضاً على الوقوع بقوله عليه الصلاة والسلام:«لا وصية لوارث» نسخت الوصية للأقربين الذين في الكتاب، وبقوله عليه الصلاة والسلام:«لا تنكح المرأة على عمتها» الحديث ناسخ لقوله تعالى: «وأحل لكم ما وراء ذلكم» وأما قول الشافعي - رضي الله عنه - إن آية الحبس نسخت بالجلد، فذلك يتوقف على تاريخ لم يتحقق، ومن أين لنا أن آية الجلد نزلت بعد آية الحبس؟! بل ظاهر السنة يقتضي خلاف ما قاله، لأنه عليه الصلاة والسلام قال:«خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً: الثيب بالثيب رجم
بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» فظاهره يقتضي أنه الآن نسخ ذلك الحكم.
ويرد على الأوّل: الوصية جائزة لغير الوارث إذا كان قريباً فدخله التخصيص