وإذا استدل العصر الأوّل بدليل وذكروا تأويلاً واستدل العصر الثاني بدليل آخر وذكروا تأويلاً آخر، فلا يجوز إبطال الأويل القديم، وأما الجديد فإن لزم منه إبطال القديم بطل وإلا فلا.
مثاله اللفظ المشترك يحمله أهل العصر الأوّل على أحد معنييه، ثم في العصر الثاني يعتبرون المعنى الآخر الذي لم يعتبره العصر الأوّل.
قال الإمام فخرا لدين المشترك لا يستعمل في مفهوميه وأحدهما مراد والآخر ليس بمراد، فلا يستقيم اعتبار التأويلين.
ويرد عليه: أن مذهب الشافعي ومالك والقاضي وجماعة كثيرة جوازه فجاز أن يعتبر العصر الأوّل أحد المعنيين لحضور سببه ولا يخطر الآخر ببالهم لعدم حضور سببه، ثم في العصر الثاني يحضر سببه فيعتبرونه دون الأوّل، والأمة لا يلزمها علم ما تحتاجه وعلم ما لا تحتاجه بل ما تحتاجه فقط.
قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: إذا استدل الإجمال بدليل على حكم هل يجوز أن يستدل بدليل آخر على ذلك الحكم؟ منعه قوم لأن استدلال الأولين يقتضي أن ما عداه خطأ. قال: والحق إن فهم عنهم أن ما عداه ليس بدليل على ذلك الحكم امتنع الاستدلال بغيره، وإلا فلا يمتنع، لأنه لا يجب عليهم ذكر كلّ ما يصلح الاستدلال به.
وهل يصح في كلّ دليل كليّ أن يجمعوا أنه ليس بدليل، أو يفصل في ذلك فيقال: كلّ ما يقبل النسخ أو التخصيص صح إجماعهم على عدم دلالته وإلا لم يجز إجماعهم لأنه حينئذ خطأ؛ لأنه لا يصح أن يخرج عن كونه دليلاً.
وإذا قلنا بجواز الاستدلال بغير ما استدلوا به فهل يجوز الاستدلال بعدة أدلة وإن كانوا هم لم يستدلوا إلاّ بدليل واحد وهل يستدل بغير جنس دليلهم ولا فرق في الجنس الواحد والجنسين. هذا في الأدلة.
وإن عللوا بعلة هل لنا أن نعلل بغيرها؟ لا يخلو إما أن يكون الحكم عقلياً أو شرعياً، فإن كان عقلياً لم يجز بغير علتهم على أصولنا في أن الحكم العقلي لا يعلل بعلتين، بخلاف الاستدلال عليه بعلتين، ومن جوزه جوزه هنا.
وأما الشرعي: فإن فرعنا على أنه لا يجوز تعليله امتنع، وإلا جاز بشرط أن