الكفار، لأن المقصود بالعصمة من اتصف بالإيمان، لا من بعث له - عليه السلام -، وأهل البدع اختلف العلماء في تكفيرهم نظراً لما يلزم من مذهبهم من الكفر الصريح، فمن اعتبر ذلك وجعل لازم المذهب مذهباً كفَّرهم، ومن لم يجعل لازم المذهب مذهباً لم يكفرهم. وهذه القاعدة لمالك والشافعي وأبي حنيفة والأشعري، وللقاضي في تكفيرهم قولان، فحيث بنينا على أنهم كفار ينبغي أن يثبت ذلك بدليل غير إجماعنا، فإن إجماعنا لا يكون حجة على تكفيرهم، إلاّ إذا كنا نحن كلّ الأمة، ولا نكون نحن كلّ الأمة حتى يكون غيرنا كافراً، فيتوقف كون إجماعنا حجة على كونهم كفاراً، ويتوقف كونهم كفاراً على إجماعنا، فتوقف كلّ واحد منهما على الآخر فيلزم الدور.
ويعتبر عند أصحاب مالك مخالفة الواحد في إبطال الإجماع خلافاً لقوم.
قال القاضي عبد الوهاب: إذا خالف الواحد والاثنان ومن قصر عن عدد التواتر فلا
إجماع حينئذ. وقال قوم لا يضر الواحد والاثنان. وحكى عن بعض أصحابنا وعن المعتزلة. لا يضر من قصر عن عدد التواتر، وقاله أبو الحسين الخياط من المعتزلة. وقال ابن الحشاد لا يضر الواحد والاثنان في أصول الدين وما يتعلق بالتأثيم والتضليل، بخلاف مسائل الفروع.
حجة الجواز: قوله - عليه السلام -: «عليكم بالسواد الأعظم» ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينكرون على الواحد والاثنين المخالفة لشذوذهم، ولأن اسم الأمة لا ينخرم بهم كالثور الأسود فيه شعرات بيض لا يخرج عن كونه أسود؛ ولأنه إذا كان الإجماع حجة وجب أن يكون معه من يجب عليه الانقياد له.
وجوابهم عن الأوّل: أن ذلك يفيد غالبة الظن أن الحق مع الأكثر، وأما الإجماع والقطع بحصول العصمة فذلك لا يفيده. وعن الثاني: أن الإنكار وقع منهم لمخالفة الدليل الذي عليه الجمهور لا لخرق الإجماع. وعن الثالث: أن اسم الأسود حينئذ إنّما يصدق مجازاً، بل الأسود بعضهه، فكذلك الأمة لا يصدق على بعضها إلاّ مجازاً. وعن الرابع: أن المنقاد للإجماع من بعدهم ومن عصرهم من ليس له أهلية النظر، والنزاع هنا فيمن له أهلية النظر.