حجة المنع: أن الأدلة إنّما شهدت بالعصمة لمجموع الأمة، والمجموع ليس بحاصل فلا تحصل العصمة.
حجة الفرق: أن أصول الديانات مداركها نظرية، والعقول قد تعرض لها الشبهات، فلا يقدح ذلك في الحق الواقع للجمهور، ومدرك الفروع سمعي واجب للنقل والتعلم، وحصوله واجب على كلّ مجتهد، فما خالف الاثنان إلاّ لمدرك صحيح.
وجوابه: كما تعرض الشبهة في العقليات تعرض في السمعيات، من جهة دلالتها ومن جهة سندها ومن جهة ما يعارضها بنسخها وغيره، فالكل سواء.
وهو مقدم على الكتاب والسنة والقياس.
لأن الكتاب يقبل النسخ والتأويل وكذلك السنة، والقياس يحتمل قيام الفارق وخفاءه الذي مع وجوده يبطل القياس وفوات شرط من شروطه، والإجماع معصوم قطعي ليس فيه احتمال، وهذا الإجماع المراد به هنا هو الإجماع القطعي اللفظي المشاهد، أو المنقول بالتواتر، وأما أنواع الإجماعات الظنية كالسكوتي ونحوه، فإن الكتاب قد يقدم عليه.
واختلف في تكفير مخالفه بناءً على أنه قطعي وهو الصحيح، ولذلك يقدم على الكتاب والسنة، وقيل ظني.
تكفير المخالف له وإن قلنا به فهو مشروط بأن يكون المجمع عليه ضرورياً من الدين، أما من جحد ما أجمع عليه من الأمور الخفية في الجنايات وغيرها من الأمور التي لا يطلع عليها إلاّ المتبحرون في الفقه فهذا لا نكفره، إذا عذر بعدم الاطلاع على الإجماع.
سؤال: كيف تكفرون مخالف الإجماع، وأنتم لا تكفرون جاحد أصل الإجماع كالنَّظّام (١) والشيعة وغيرهم، وهم أولى بالتكفير لأن جحدهم يشمل
(١) أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هانئ: البلخي، المتوفى سنة ٨٣٥م عرف بهذا الاسم لأنه كان ينظم الخرز بسوق البصرة. متكلم مسلم، تلميذ لأبي الهذيل العلاف، واحد من أكابر المعتزلة في البصرة، مناظر ذكي وفصيح، واسع الثقافة. حفظ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وتفسيرها. وقف على الاتجاهات الفكرية ورد على كلّ من يخالف مذهبه وملخص هذا المذهب «أن الله لا يقدر على فعل الشر ولا يفعل إلاّ ما هو الأصلح للعباد وأن الإنسان يعرف الله عن طريق العقل وأن إعجاز القرآن هو أن الله صرف الإنس والجن على أن يأتوا بمثله.