والمعدل إذا كان عالماً مبرزاً اكتفى الحاكم بعلمه عن سؤاله، فإن العالم لا يجرح إلاّ بما لو سمع به الحاكم كان جرحاً، وكذلك التعديل.
وأما اختلاف المذاهب فالعالم المتقن لا يجرح بأمر مختلف فيه يمكن أن يصح التقليد فيه، ولا يفسق بذلك إلاّ جاهل، فما من مذهب إلاّ وفيه أمور ينكرها أهل المذاهب الأخرى، ولا سبيل إلى التفسيق بذلك، وإلا لفسقت كلّ طائفة الطائفة الأخرى، فتفسق جميع الأمة، وهو خلاف الإجماع، بل كلّ من قلد تقليداً صحيحاً فهو مطيع لأمر الله تعالى، وإن كان غيره من المذاهب يخالفه في ذلك.
وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكل من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكياً ولا حاكماً لبعده عن الحزم. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الحزم سوء الظن» فمن ضيع سوء الظن فقد ضيع الحزم، نعم لا ينبغي أن يبنى على سوء ظنه شيئاً إلاّ لمستند شرعي وهو معنى قوله تعالى:«اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم»(١) أي اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريق شرعي فالحق مذهب القاضي.
ويقدم الجرح على العديل إلاّ أن يجرحه بقتل إنسان معين فيقول المعدل رأيته حياً وقيل يقدم المعدل إن زاد عدده.
إنّما قدم الجرح لأن الجارح مطلع على ما لم يطلع عليه المعدل؛ لأن المعدل مدركه استصحاب الحال والمطلع على الرافع للاستصحاب مقدم على المتمسك بالاستصحاب، أما إذا جرحه بقتل من شهد بحياته فلا يمكن أن يقال اطلع الجارح على ما ذهل عنه المعدل فيحصل التعارض والتوقف، وليس أحدهما أولى من الآخر فيستصحب الحالة السابقة المتقررة من غير هاتين البينتين، وكأن هاتين البينتين ما وجدتا ووجه تقدم العدد الأكثر أن الكثرة تقوي الظن والعمل بأقوى الظنين وواجب كما في الأمارتين والحديثين وغيرهما.