للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما مذهب القاضي عبد الجبار فقد حكى خلافاً وذلك عسر؛ لأن ما هو على خلاف الضرورة كيف يمكن أحد أن يقول هن معتبر، فكأنه تفسير لا خلاف. وأما قوله نظر في ذلك فهو خلاف لمن جزم بتقديم الخبر أو المذهب، ووجهه أنه موضع تعارض لما تقدم من المدارك المتعارضة، فينظر في كلّ مادة ما يقتضي ترجيح بعض ذلك على بعض.

وإذا ورد الخبر في مسألة علمية وليس في الأدلة القطعية ما يعضده، رد لأن الظن لا يكفي في القطعيات وإلا قبل.

مسائل أصول الدين المطلوب فيها اليقين وهو المكلف به فيها عند الجمهور، فإذا ورد ما يفيد الظن وفي الأدلة العقلية ما يقتضي ذلك المطلوب بعينه حصل المقصود بذلك القطعي

وبقي السمعي مؤكداً له ومؤنساً؛ فإن اليقين ما ورد فيه السمع والعقل بخلاف العقل وحده (١) وإن لم يكن غيره رد لعدم الفائدة فيه، لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر، فسقط اعتباره.

وإن اقتضى عملاً تعم به البلوى قبل عند المالكية والشافعية، خلافاً للحنفية. لنا حديث عائشة المتقدم في التقاء الختانين.

قالت الحنفية: ما تعم به البلوى شأنه أن يكون معلوماً عند الكافة، لوجود سببه عندهم، فيحتاج كلّ منهم لمعرفة حكمه فيسأل عنه ويروى الحديث فيه، فلو كان فيه حكم لعلمه الكافة، فحيث لم يعلمه الجمهور دل ذلك على بطلانه.

وقد نقضوا أصلهم بأحاديث قبلوها فيما تعم به البلوى، فأثبتوا الوضوء من القهقهة والحجامة والفصادة بأحاديث أخبار آحاد، مع أن هذه الأمور مِمّا تعم بها البلوى، وكذلك الوضوء من القيء والرعاف ونحو ذلك. واحتجوا أيضاً بقوله تعالى: «إن الظن لا يغني من الحق شيئاً» (٢) خالفناه في قبول الواحد إذا لم تعم


(١) في نسخة: فإن النفس بما ورد فيه السمع والعقل آلس بخلاف العقل وحده.
(٢) ٣٦ يونس.

<<  <   >  >>