مطلق، فإذا قلت حيوان ناطق فهذا مقيد، وإذا عبرت عنه بإنسان صار مطلقاً، وإذا قلت إنسان ذكر كان مقيداً، وإذا عبرت عنه برجل صار مطلقاً، وكذلك ما من مطلق إلا ويمكن جعله مقيداً بتفصيل مسماه والتعبير عن الجزأين بلفظين، وما من مقيد إلا ويمكن أن يعبر عنه بلفظ واحد فيصير مطلقاً إلا ما يندر جداً كالبسائط.
والأمر هو اللفظ الموضوع لطلب الفعل طلباً جازماً على سبيل الاستعلاء نحو: قم، والنهي هو الموضوع للفظين فأكثر أسن مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر إسناداً يقبل التصديق للفظين فأكثر أسند مسمى أحدهما إلى مسمى الآخر إسناداً يقبل التصديق والتكذيب لذاته نحو زيد قائم.
جعل هذا الباب كله من باب اللفظ الموضوع يتخرج على أحد المذاهب الثلاثة؛ وهي أن الكلام وجميع ما يتعلق به وبأنواعه وعوارضه من الأمر والنهي والخبر والاستفهام والتكذيب والتصديق وغيرها هل هي كلها موضوعة للكلام اللساني مجاز في النفساني لأنه المتبادر عرفاً أو للنفساني مجاز في اللسان كقول الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسان على الفؤاد دليل
أو الألفاظ كلها مشتركة بين اللساني والنفساني جمعاً بين المدركين؟ ثلاثة مذاهب فوق التحديد في هذا مبنياً على المذهب الأول، مع أن الثالث هو المشهور عند العلماء، كذلك حكاه إمام الحرمين والإمام فخر الدين، فقولي فيا لأمر لطلب الفعل احترازاً من طلب الترك الذي هو النهي، ومن الاستفهام لأنه لطلب الحقائق دون الأفعال، وقولي طلباً جازماً احترازاً من الندب، وقولي على سبيل الاستعلاء هو مذهب أبي الحسين البصري والإمام فخر الدين، ومنهم من اشترط العلو دون الاستعلاء، والجمهور من المتكلمين على عدم اشتراطهما، بل الصيغة من حيث هي صيغة تسمى أمراً كانت من أعلى أو أدنى مع استعلاء أو تواضع كالخبر، وسيأتي في الأمر تقرير ذلك إن شاء الله تعالى، ولم أر لهم مثل هذا الخلاف في النهي فتركته، وتلزمهم التسوية بين البابين، والاحترازات في الأمر هي بعينها في النهي فلا أعيدها.