الوجوب والمكروه هو اصطلاح المتقدمين وبه وردت السنة في الحديث المتقدم؛ وتفسيرها باستواء الطرفين هو اصطلاح المتأخرين، فإذا اندرج فيها المكروه، ويكون الطلاق من أشد المكروهات فيفهم الحديث حينئذ، وإلا يتعذر فهمه، لأن (أفعل) في لسان العرب لا يضاف إلا لجنسه، فلا تقول زيد أفضل الحمير. (وأبغض) صيغة تفضيل وقد أضيفت إلى المباح المستوي الطرفين فيكون المبغوض بل الأبغض مستوي الطرفين وهو محال.
فالواجب ما ذم تاركه شرعاً والمحرم ما ذم فاعله شرعاً، وقيد الشرع احتراز عن العرف، والمندوب ما رجح فعله على تركه شرعاً من غير ذم، والمكروه ما رجح تركه على فعله شرعاً من غير ذم، والمباح ما استوى طرفاه في نظر الشرع.
تنبيه: ليس كل واجب يثاب على فعله ولا كل حرام يثاب على تركه أما الأول فكنفقات الزوجات والأقارب والدواب ورد المغصوب والودائع والديون والعواري فإنها واجبة، فإذا فعلها الإنسان غافلاً عن امتثال أمر الله تعالى فيها وقعت واجبة مجزئة مبرئة للذمة ولا ثواب حينئذ. وأما الثاني فلأن المحرمات يخرج الإنسان عن عهدتها بمجرد تركها وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها حتى ينوي امتثال أمر الله تعالى فيها، فلا ثواب حينئذ، نعم متى اقترن قصد الامتثال في الجميع حصل الثواب.
قوله ما ذم فاعله عليه إشكال من جهة أنه قد لا يفعل فلا يوجد فاعله ولا الذم المترتب عليه، وكذلك قولهم تاركه قد لا يوجد تاركه بأن يفعل الواجب وهو كثير، فتخرج هذه الصور كلها من الحد فلا يكون جامعاً.
وجوابه: أن التحديد قد يقع بذوات الأوصاف، كقولنا ما رجح فعله على تركه وقد
يقع بحيثيات الأوصاف نحو هذا ومعناه هو الذي بحيث إذا ترك ترتب الذم عليه، وهذه الحيثية ثابتة له فعل أو ترك؛ فتنبه لهذه القاعدة فهي غريبة وقد بسطتها في شرح المحصول.