حيث هو خطاب وضع، فلا يشترط العلم ولا القدرة في أكثر خطاب الوضع نحو التوريث بالأسباب؛ فإن الإنسان إذا مات له قريب دخلت التركة في ملكه وإن لم يعلم ولا ذلك بقدرته، حتى لو كان فيها رقيق يعتق عليه عُتق، وكذلك يطلق بالإعسار، وإن كان الزوج مجنوناً غير عالم وعاجزاً عن النفقة، وكذلك يجب الضمان بالإتلاف وإن لم يعلم المتلف ما أتلفه لكونه غافلاً أو مجنوناً ولا قدرة له على التحرز من ذلك وهو كثير في الشريعة، وبعض الأسباب يشترط فيه العلم والقدرة وهو كل ما كان فيه جناية كالزنا وشرب الخمر ونحوه مما هو سبب للعقوبة؛ فإن قواعد الشرع تتقاضى أنه لا يعاقب من لم يقصد المفسدة، ولم يشعر بها إذا وقعت بغير كسبه، ولذلك اشترط في كل سبب هو جناية: العلم والقدرة. بخلاف المثل السابقة لأنها ليست أسباب عقوبات، فإن الإتلاف وإن كان جناية إلا أنه ليس بسبب عقوبة، بل الغرامة جابرة لا زاجرة، والعقوبة لا تكون إلا زاجرة.
ويستثنى من أسباب العقوبات نوع آخر ليس منها وهو أسباب انتقال الأملاك في المنافع والأعيان والأبضاع فإنه يشترط في هذه الأسباب العلم والرضا لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» فكان ذلك أصلاً في انتقال الأملاك والمنافع والأعيان والأبضاع فيشترط العلم لأنه شرط في الرضا؛ فلذلك قلت وليس عدم الاشتراط عاماً في خطاب الوضع، بل هذا هو شأنه حتى يعرض له أمر خارج يوجب له اشتراط ذلك، وبقي من خطاب الوضع التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم، وإعطاء المعدوم حكم الموجود كتقدير الأثمان في الذمم والأعيان في السَّلم في ذمة المسلم إليه، والذمة نفسها هي من جملة المقدرات، فإنها معنى شرعي مقدر في المحل قابل للإلزام والإلزام، وقد تقدم من مثلها جملة في حد الحكم.
فائدة: قد يجتمع خطاب الوضع وخطاب التكليف، وقد ينفرد خطاب الوضع في شيء واحد، ويكون ما يترتب عليه من خطاب التكليف في شيء آخر، مثال اجتماعهما في شيء واحد الزانا والسرقة والعقود، فإنها أسباب تعلق بها التحريم أو الوجوب أو الإباحة في العقود، وهي أسباب العقوبات وانتقال الأملاك، وكذلك الوضوء والستارة شرطان فهما خطاب وضع، وواجبان فهما