للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما كيفية الوحى الثانية، فهى أن يتحدث الله سبحانه من وراء حجاب، والاشارة الأساسية لهذا النوع من الوحى، ربما لتأكيد تجربة محمد صلّى الله عليه وسلم الأولى، كما هو وارد فى الفقرة ب التى نقلناها انفا عن الزهرى (حيث أتاه الحق وقال له: انك رسول الله يا محمد) . وعبارة (من وراء حجاب) تفيد أن المتكلم لم يظهر (أولم تكن هناك رؤية) وهذه الحقيقة (حقيقة وجود متحدث) بالاضافة الى ذكر كلام أو حديث تتضمن أن هناك كلمات مسموعة، وبالتالى فالوحى هنا من النوع الكلامى التخيلى) imaginative locution *أو أنه حتى وحى من مصدر خارجى. (exterior locution وبعض السور المبكر جاء بها الوحى بهذه الطريقة (الكيفية) التى لم ترد كثيرا فى الروايات، وبالتالى فهى ليست شائعة، وعلى هذا يمكننا أن نفترض أن الوحى المبكر (فى بداية نزوله) ثم أيضا بالكيفية الأولى. ومن المعقول أن يكون نزول الوحى بالكيفية الثانية (السماع والحديث) قصد به وصف تجربة موسى.

والحالة (أو الكيفية) الثالثة هى أن يرسل الله سبحانه رسولا فيوحى عن طريق هذا الرسول الى نبيه ما يشاء، وقد ذهب الباحثون المسلمون فى وقت لاحق الى أن هذا الرسول هو جبريل، وذهبوا الى أن تلك هى الكيفية المعتادة للوحى منذ البداية. ومن ناحية أخرى، فان الباحثين الغربيين لاحظوا أن جبريل لم يذكر بالاسم فى القران (الكريم) حتى المرحلة المدنية «٤٩» وهناك كثير فى القران الكريم وأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلم يعارض الأقوال المنتشرة بين الباحثين المسلمين، وهذا يعنى أن وجهات النظر المتأخرة زمنا جرى اضفاؤها على الوحى فى مرحلته الأولى. وعلى أية حال، فهناك احتمال أيضا أن يكون نزول الوحى عن طريق جبريل كان


* المؤلف يستخدم مصطلحات بولين التى طبقها على القديسين المسيحيين، كما أنه يصف تجربة موسى عليه السلام بالمصطلحات نفسها، لكن المسألة الجوهرية هى أن كل هذا لا ينطبق عليه المنهج العلمى السليم، سواء بالنسبة لموسى عليه السلام أو محمد صلّى الله عليه وسلم، لسبب بسيط وهو أن امكانية الدراسة المعملية أو المادية أو حتى التحليلية غير متوافرة. اننا نتحدث عن أنبياء لا عن تجربة بشرية عادية. راجع مقدمة المترجم.
(٤٩) ٩١٠٢؛ ٤١٦٦ (لم نفهم معنى هذه الاشارة المرجعية) - (المترجم) .

<<  <   >  >>