للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شائعا أيضا خلال الحقبة المدنية. وفى مثل هذه الحالات، فان الوحى ربما كان- من النوع الكلامى التخيلى imaginative locution *لكنه كان- بلا شك- مرتبطا برؤية لجبريل، وقد تكون هذه الرؤية عقلية أو تخيلية. أما الاشارة الى نزول جبريل على هيئة رجل فذلك وحى من النوع التخيلى** (وهو غير الهلوسة كما يشير المؤلف بعد ذلك- ولا يميل المسلمون الى استخدام مثل هذه المصطلحات عند الحديث عن النبوة) والشكل الدقيق أو الكيفية الدقيقة للوحى لم تكن ذات أهمية قصوى عند علماء الدين، سواء منهم المسلمون أو المسيحيون. أما التأكيد على أن رؤى محمد صلّى الله عليه وسلم والوحى الكلامى الذى يتلقاه مجرد هلوسة- كما يحلو لبعض الكتاب أحيانا أن يقولوا- فان مثل هذه الأقوال تجعل الأحكام الدينية (اللاهوتية) مفرغة تماما من الوعى، لذا فهى أقوال تتسم بالجهل المخجل الذى يدعو للشفقة- جهل بالعلم وسلامة العقل، وهو حكمنا على بولين، poulain وعلى اللاهوت الصوفى الغامض الذى يمثلونه. فسواء كانت الرؤى والكلام المسموع من مصدر خارجى أو تخيلى أو عقلى فلا يوجد معيار لصدقها أو سلامتها، الا أن الوحى المتلقى من مصدر خارجى أكثر تأثيرا فى المتلقى، وان كان الوحى العقلى- بمعنى من المعانى- هو الأعلى والأرقى فالعقل أعلى مرتبة من الحس. وهذه القضية ذات أهمية كبيرة لطلبة علم النفس الدينى وسيكون- بلا شك- من المفيد عقد مقارنة بين جوانب ظاهرة الوحى عند محمد صلّى الله عليه وسلم والظواهر المشابهة عند القديسين المسيحيين والصوفية. وعلى أية حال، فبالنسبة لعلماء الدين والمؤرخين نجد أن النقطة الأساسية هى أن محمدا صلّى الله عليه وسلم كان يفصل فصلا كاملا بين ما يوحى اليه من ناحية، وأفكاره الخاصة من ناحية أخرى.

وعلى النحو نفسه، فالظواهر المادية المصاحبة لتلقى الوحى غير ذات أهمية بالنسبة للباحثين فى الجوانب الدينية رغم أهميتها للمؤرخ.


* رغم أن المؤلف- نقلا عن بولين- قد استخدم هذا المصطلح الذى قد لا يعنى ما توحيه كلمة الخيال فى استخدامها الدارج، الا أن المسلمين، وغير المسلمين، لا يقبلون استخدام مثل هذه المصطلحات عند اطلاقها على الأنبياء، بل وعلى الصالحين والأولياء ... الخ- (المترجم) .
** استخدام مثل هذه العبارات لا يعنى نفى الوحى، كما يوضح الكاتب فى مطهر تالية بعد ذلك- (المترجم) .

<<  <   >  >>