كانت التنظيمات القبلية والعشائرية لا تزال قوية، وان كان بعض الناس لم يكونوا يترددون فى غض الطرف عن الروابط العشائرية. وكان هذا هو الوضع فى مكة خاصة، ذلك لأن الحياة التجارية فى مكة قد أسرعت بظهور الفرديه حيث المصالح الماليه والماديه هى أساس المشاركة، مثلها فى ذلك- غالبا- مثل العلاقات القبلية والعشائرية blood relationship.
فجمع الثروات الضخام- وهو ما اشار اليه القران الكريم على أنه الشغل الشاغل لكثير من أهل مكة- يعد علامة على هذه الفردية. والحكاية ذات المعنى الرمزى عن أصحاب الجنة (البستان) التى أشرنا اليها انفا (فى السورة رقم ٦٨/ الاية ١٧ وما بعدها) تمثل عملية تحالف لاحراز الاحتكار فى مجال من المجالات واغلاق فرص النجاح أمام المنافسين، فليس هناك فى الايات ما يشير الى أن هؤلاء الملاك للبستان كانوا من عشيرة واحدة.
وبينما يبدو من غير المعقول أنه كان فى مكة زيادة فى عدد الفقراء ذوى الفقر المدقع، الا أنه من المحتمل أن تكون الفجوة بين الأثرياء والفقراء كانت قد اتسعت فى نصف القرن الأخير، فالقران الكريم يشير الى زيادة الوعى بالفرق بين الأغنياء والفقراء- أو ربما يجب أن نقول: بين الأغنياء من ناحية وغير الأغنياء والفقراء من ناحية أخرى، ومن الواضح أيضا أن الأغنياء لم يكونوا يعبأون بالفقراء وغير ذوى النفوذ، حتى من بين أفراد العشائر التى ينتمون اليها. وربما كانت الاشارة الى الأيتام تفيد أنهم كانوا لا يعاملون معاملة حسنة من أقربائهم الأوصياء عليهم، وفى سورة عبس (رقم ٨٠) صورة لمحمد صلّى الله عليه وسلم تبين أنه- للحظة- قد جارى العرف السائد فى مراعاة الأثرياء وذوى النفوذ وعدم الاهتمام بالاخرين.
كل هذا لا بد أن يعنى افتقاد روح الجماعة (أو معنى الجماعة (the sense of community فالانسان حيوان اجتماعى يصبح غير سعيد اذا لم يكن له جماعة ينتمى اليها. فالأساس أو المبدأ الجديد الذى أصبح صائدا فى الجماعة هو الذى تجلى فى المصالح المادية لكن هذا لم يكن بديلا مرضيا للعلاقة العشائرية أو القبلية، Kinship by blood لكنه قد يؤدى الى تحالف كبير (كونفدرالية كبيرة) كالتى تكونت لتأليف