لهم أموال، أنكروا ذلك عليه، واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال [لهم] ، واغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه الا من حفظه الله منهم، وهم قليل، فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث. ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم واخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أهل الاسلام! فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يخرجوا الى أرض الحبشة- وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشى، لا يظلم أحد بأرضه، وكان موضع ثناء، وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغا من الرزق، وأمنا ومتجرا حسنا- فأمرهم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فذهب اليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنوات، يشتدون على من أسلم منهم.
ثم انه فشا الاسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم.
قال أبو جعفر: فاختلف فى عدد من خرج الى أرض الحبشة، وهاجر اليها هذه الهجرة، وهى الهجرة الأولى.
فقال بعضهم: كانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قال: حدثنا يونس بن محمد الظفرى، عن أبيه، عن رجل من قومه. قال: وأخبرنا عبيد الله بن العباس الهذلى، عن الحارث بن الفضيل، قالا: خرج الذين هاجروا الهجرة الأولى متسللين سرا، وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة، حتى انتهوا الى الشعيبة، منهم الراكب والماشى، ووفق الله للمسلمين ساعة جاؤوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما الى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم فى رجب فى السنة الخامسة، من حين نبىء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وخرجت قريش فى اثارهم حتى جاؤوا البحر، حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا.