قالوا: وقدمنا أرض الحبشة، فجاورنا بها خير جار، أمنا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه» *.
واذا نحينا جانبا الى حين ما ورد فى هذا النص عن الهجرة للحبشة، فاننا نلاحظ ثلاث نقاط رئيسية:
أولها: أن المعارضة الحقيقية الأولى ارتبطت بالتعرض للأصنام (الطواغيت) ، ويمكننا أن نفترض أن التعرض لهذه الأصنام (الطواغيت) كان فى خلال النص القرانى.
ثانيها: أن بعض أثرياء قريش الذين يمتلكون ثروات فى الطائف كانوا هم زعماء الحركة المعارضة لمحمد (صلّى الله عليه وسلم) .
ثالثها: أن كل ذلك سبق الهجرة الى الحبشة.
وليس هناك صعوبة كبيرة فى تقبل ما ورد فى ثانيا وثالثا (كون أثرياء من قريش هم الذين قادوا المعارضة ضد محمد صلّى الله عليه وسلم، وكون ذلك بدأ قبل الهجرة الى الحبشة) ، لكن هناك صعوبة فى تقبل ما ورد فى أولا (وهو كون المعارضة القرشية لم تبدأ الا بعد التعرض للطواغيت) .
فالدراسات التى قام بها نولدكه Noldeke وبل Bell عن التأريخ لايات القران الكريم، تظهر لنا ايات كثيرة (نزلت) قبل أن تنزل ايات تتعرض للأوثان (الطواغيت) ، التى قيل ان التعرض لها كان هو سبب ظهور المعارضة لمحمد (صلّى الله عليه وسلم) . حقيقة ان الأصنام لم تذكر طوال الحقبة المكية الا قليلا. ومن الممكن أن عروة الذى كان يكتب بعد الأحداث بسبعين سنة على الأقل قد افترض- مجرد افتراض- أن الهجوم على الشرك (تعدد الالهة) لا بد أن يكون هو سبب ظهور المعارضة فى هذا الوقت، لأنها كانت هى السبب فى اشتداد المعارضة فيما بعد. ومن المعقول أيضا- لكن هذا ليس مؤكدا- أن ذكر الأصنام (التعرض للطواغيت) يرجع الى قصة الايات الشيطانية التى سنناقشها فى الفقرة