للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمره فى ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنى محمد بن اسحاق، عن يزيد بن زياد المدنى، عن محمد بن كعب القرطى، قال: لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تولى قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من الله، تمنى فى نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وكان يسره مع حبه قومه، وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما قد غلظ عليه من أمرهم، حتى حدث بذلك نفسه، وتمناه وأحبه، فأنزل الله عز وجل: (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) ، فلما انتهى الى قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه، ويتمنى أن يأتى به قومه: «تلك الغرانيق العلا، وأن شفاعتهن لترتجى» ، فلما سمعت ذلك قريش فرحوا، وسرهم وأعجبهم ما ذكر به الهتهم، فأصاخوا له- والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل- فلما انتهى الى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيهم، تصديقا لما جاء به، واتباعا لأمره، وسجد من فى المسجد من المشركين من قريش وغيرهم، لما سمعوا من ذكر الهتهم، فلم يبق فى المسجد مؤمن ولا كافر الا سجد، الا الوليد بن المغيرة، فانه كان شيخا كبيرا، فلم يستطع السجود، فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها، ثم تفرق الناس من المسجد، وخرجت قريش، وقد سرهم ما سمعوا من ذكر الهتهم، يقولون: قد ذكر محمد الهتنا بأحسن الذكر، قد زعم فيما يتلو: «أنها الغرانيق العلا، وأن شفاعتهن ترتضى» وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقيل: أسلمت قريش، فنهض منهم رجال، وتخلف اخرون، وأتى جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ماذا صنعت! لقد تلوت على الناس ما لم اتك به عن الله عز وجل، وقلت ما لم يقل لك! فحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك حزنا شديدا، وخاف من الله خوفا كثيرا، فأنزل الله عز وجل- وكان به رحيما- يعزيه ويخفض عليه الأمر، ويخبره أنه لم يك قبله نبى ولا رسول تمنى كما تمنى، ولا أحب كما أحب الا والشيطان قد ألقى فى أمنيته،

<<  <   >  >>