كما ألقى على لسانه صلّى الله عليه وسلم، فنسخ الله ما القى الشيطان والحكم آياته، أى فأنما أنت كبعض الأنبياء والرسل، فأنزل الله عز وجل:(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فأذهب الله عز وجل عن نبيه الحزن، وامنه من الذى كان يخاف، ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر الهتهم:«أنها الغرانيق العلا وأن شفاعتهن ترتضى» ، بقول الله عز وجل حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى:(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أى عوجاء، (ان هى الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) - الى قوله- (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) ، أى فكيف تنفع شفاعة الهتكم عنده!
فلما جاء من الله ما نسخ ما كان الشيطان القى على لسان نبيه، قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة الهتكم عند الله، فغير ذلك وجاء بغيره، وكان ذانك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وقعا فى فم كل مشرك، فازدادوا شرا الى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم واتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم، وأقبل أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذين خرجوا من أرض الحبشة لما بلغهم من اسلام أهل مكة حين سجدوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى اذا دنوا من مكة، بلغهم أن الذى كانوا تحدثوا به من اسلام أهل مكة كان باطلا، فلم يدخل منهم أحد الا بجوار، أو مستخفيا، فكان ممن قدم مكة منهم فأقام بها حتى هاجر الى المدينة، فشهد معه بدرا من بنى عبد شمس بن عبد مناف ابن قصى، عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، معه امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس معه امرأته سهلة بنت سهيل، وجماعة أخر معهم، عددهم ثلاثة وثلاثون رجلا.
حدثنى القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال:
حدثنى حجاج، عن أبى معشر، عن محمد بن كعب القرظى ومحمد بن قيس، قالا: جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ناد من أندية قريش، كثير أهله، فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شىء فينفروا عنه، فأنزل الله عز وجل: