للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثانيهما، أنه من المؤكد أن محمدا (صلّى الله عليه وسلم) قد أعلن بعد ذلك أن هذه الايات الشيطانية ليست من القران الكريم وأن ايات أخرى قد حلت محلها تحمل مضمونا مختلفا تماما. والروايات الأولى لا تحدد الفترة الزمنية بين نطق محمد (صلّى الله عليه وسلم) بهذه الايات الشيطانية وانكاره لها. انه من المحتمل أن ذلك قد استغرق أسابيع أو حتى شهورا.

وهناك أيضا حقيقة ثالثة أو مجموعة من الحقائق من المحتمل ان تكون اكيدة بالنسبة لنا، واعنى بها انه بالنسبه لمحمد (صلّى الله عليه وسلم) ومعاصريه من أهل مكة فان الاشارة الأساسيه لهذه الايات الشيطانية لا بد أن تكون الى اللات وهى الربة المعبودة فى الطائف، والعزى الربة المعبودة فى نخلة بالقرب من مكة، والربة مناة التى تقع نصبها بين مكة والمدينة والتى كان يعبدها فى الأساس عرب المدينة.

وكان القرشيون هم العبدة الأساسيين للعزى، لكن أسرات أخرى ذوات طابع كهنوتى شاركت فى عبادتها فيما تقول الروايات، وهذه الأسرات من بنى سليم، وكنانه وخزاعة وثقيف وبعض هوازن. ونسمع عن أشراف المدينة أنه كان لدى الواحد منهم صنم خشبى يمثل مناة


ولذلك لم يتردد ابن اسحاق حين سئل عنه فى أن قال: انه من وضع الزنادقة. ولكن بعض الذين أخذوا به حاولوا تسويغه فاستندوا الى الايات: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ..» ، والى قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) . ويفسر بعضهم كلمة «تمنى» فى الاية بمعنى قرأ، ويفسرها اخرون بمعنى الأمنية المعروفة. ويذهب هؤلاء وأولئك، ويتابعهم المستشرقون، الى أن النبى بلغ منه أذى المشركين أصحابه؛ اذ كانوا يقتلون بعضهم ويلقون بعضا فى الصحراء يلفحهم لظى الشمس المحرقة، وقد أوقروهم بالحجارة كما فعلوا ببلال حتى اضطر الى الاذن لهم فى الهجرة الى الحبشة. كما بلغ منه جفاء قومه اياه واعراضهم عنه. ولما كان حريصا على اسلامهم ونجاتهم من عبادة الأصنام، تقرب اليهم وتلا سورة النجم وأضاف اليها حكاية الغرانيق، فلما سجد سجدوا معه، وأظهروا له الميل لاتباعه مادام قد جعل لالهتهم نصيبا مع الله.

<<  <   >  >>