والملوك، كما أورده كثيرون من المفسرين المسلمين وكتاب السيرة، والذى أخذ به جماعة المستشرقين ووقفوا يؤيدونه طويلا. وحديث الغرانيق: أن محمدا لما رأى تجنب قريش أياه وأذاهم أصحابه تمنى فقال: ليته لا ينزل على شىء ينفرهم منى، وقارب قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما فى ناد من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم سورة النجم حتى بلغ قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) فقرأ بعد ذلك: تلك الغرانيق العلا. وان شفاعتهن لترتجى. ثم مضى وقرأ السورة كلها وسجد فى أخرها. هنالك سجد القوم جميعا لم يتخلف منهم أحد. وأعلنت قريش رضاها عما تلا النبى، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق، ولكن الهتنا هذه تشفع لنا عنده. أما اذ أن جعلت لها نصيبا فنحن معك. وبذلك زال وجه الخلاف بينه وبينهم. وفشا أمر ذلك فى الناس حتى بلغ أرض الحبشة؛ فقال المسلمون بها: عشائرنا أحب الينا، وخرجوا راجعين. فلما كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركبا من كنانة فسألوهم، فقالوا: ذكر الهتهم بخير فتابعه الملأ، ثم أرتد عنها فعاد لشتم ألهتهم فعادوا له بالشر. وأتمر المسلمون ما يصنعون، فلم يطيقوا عن لقاء أهلهم صبرا فدخلوا مكة. وانما ارتد محمد عن ذكر الهة قريش بالخير، فى مختلف الروايات التى أثبتت هذا الخبر، لأنه كبر عليه قول قريش: «أما اذ جعلت لالهتنا نصيبا فنحن معك» ، ولأنه جلس فى بيته، حتى اذا أمسى أتاه جبريل فعرض النبى عليه سورة النجم، فقال جبريل: أوجئتك بهاتين الكلمتين؟! مشيرا الى «تلك الغرانيق العلا، وان شفاعتهن لترتجى» . قال محمد: قلت على الله ما لم يقل! ثم أوحى الله اليه: «وان كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره واذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا. اذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا» . وبذلك عاد يذكر الهة قريش بالشر ويسبهم، وعادت قريش لمناوأته وأيذاء أصحابه. هذا حديث الغرانيق، رواه غير واحد من كتاب السيرة، وأشار اليه غير واحد من المفسرين، ووقف عنده كثيرون من المستشرقين طويلا. وهو حديث ظاهر التهافت ينقضه قليل من التمحيص. وهو بعد حديث ينقض ما لكل نبى من العصمة فى تبليغ رسالات ربه. فمن عجب أن يأخذ به بعض كتاب السيرة وبعض المفسرين المسلمين