الغرانيق هذه. فما يوجه من نقد لمونتجمرى وات فى هذه الحال، انما هو فى الواقع نقد للطبرى.
على أية حال، كما كان وات أصيلا فى اختيار مصادره قرانا كريما وأحاديث شريفة وسيرا كان أيضا أصيلا فى اختياره للطبرى. لماذا؟
ليس من السهل الاجابة عن هذا السؤال دون استعراض تطور كتب التاريخ الاسلامى العام فى المكتبة التراثية العربية، لبيان أهمية الطبرى وأسبقيته.
لقد بدأ المؤرخون المسلمون فى كتابة التاريخ العام منذ منتصف القرن الثالث للهجرة/ التاسع للميلاد. وضمنوا كتبهم تاريخ البشرية عامة بقدر ما كان بين أيديهم من معلومات، لكن المؤرخ من هؤلاء كان يبدأ بالتركيز على تاريخ الاسلام والمسلمين منذ بداية الدعوة، مهملا ما سواه على عكس ما كان يفعل عندما كان يؤرخ لفترة ما قبل الاسلام.
وكتب التاريخ العام على نوعين: أولهما ما يسلسل الحوادث حسب تعاقب السنين ويسمى عادة بكتب الحوليات. وثانيهما يعرض السلالات الحاكمة أو تاريخ الملوك والدول، وقد جمع بعضهم بين ذكر الحوادث وذكر التراجم أو الوفيات.
وأول أهم مؤلفى التاريخ العام هو أبو حنيفة الدينورى المتوفى ٢٨٢ هـ، ولم يصلنا من كتبه الا كتاب (الأخبار الطوال) ثم ابن قتيبة الدينورى المتوفى ٢٧٦ هـ، وله كتاب (عيون الأخبار) وكتاب (المعارف) وهذا الأخير ليس فى مجال التاريخ. ثم نصل الى الطبرى (٢٢٤- ٣١٠ هـ) أول مؤلف حول بمعنى الكلمة، أو على الأقل هو أول مؤرخ حولى يتوافر لدينا كتابه. ولد بمدينة امد عاصمة طبرستان وهى تقع على السواحل الشرقية لبحر قزوين أو بحر الخزر. درس الثقافة الدينية المعتادة قرانا وحديثا وفقها ونبغ فيها كما درس علوم اللغة، وارتحل لطلب العلم، وأقام فى بغداد مدة طويلة، وزار مصر، ثم عاد فاستقر