للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سعد يذكر أنه ذهب للحبشة، وان كان ابن اسحق لم يذكره ضمن من هاجروا اليها.

ويبدو أن هناك شيئا ما فى هذه الحجة وفى الاجابة عن السؤال المطروح فى صدر هذه الفقرة. فهناك أيضا اعتراضات على ما ذكرناه.

فاذا كانت هجرة المسلمين للحبشة لمجرد الخلاص من الاضطهاد فلم ظل بعضهم هناك حتى سنة ٧ هـ، بينما كان يمكنهم أن يعودوا امنين ليلحقوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم فى المدينة؟ ليس لدينا ما يشير الى أن محمدا صلّى الله عليه وسلم طلب منهم البقاء فى الحبشة بعد هجرته للمدينة- حتى يهيىء لهم ما يكفيهم فى المدينة. وحتى اذا كان الرسول قد فعل ذلك- أى طلب منهم البقاء فى الحبشة- لكان من المؤكد أن تذكر لنا الروايات ذلك. ان أية اجابة عن هذا السؤال المضاد تعنى أن هؤلاء المهاجرين كان لديهم بعض الأسباب للهجرة غير التخلص من الاضطهاد فى مكة. وربما كانت هذه الأسباب الاخرى هى الأهم.

والسبب المحتمل الثانى للهجرة هو الذى قدمه لنا الباحثون الغربيون. مع ملاحظة أن الروايات الأولى عن مبادرة* محمد صلّى الله عليه وسلم يمكن للمرء أن يستدل منها على أنه كان مهتما كثيرا بأن يخفف عن أتباعه الصعوبات المادية التى كانوا يواجهونها، بقدر اهتمامه بابعادهم عن خطر الردة والعودة الى الشرك مرة أخرى، فاذا بقى هؤلاء الأتباع فى مكة عرضة لضغوط أسرهم فقد يرتدون وينكرون عقيدتهم الجديدة (الاسلام) . وحتى هذا السبب الثانى غير مقنع بما فيه الكفاية. تماما كالسبب الأول. فالى أى شىء يقودنا؟ ما الأساس الذى عليه بنى هؤلاء العائدون توقعهم بعودة امنة الى مكة؟ وفى الوقت نفسه، فان بعضهم كانوا من المسلمين الصامدين المتمسكين باسلامهم. وربما لم يكن من الممكن اغواؤهم وردهم عن دينهم. ألم يكن من الأفضل أن يظلوا فى مكة مع أقرانهم؟ ألم يكن هذا أدعى لشد أزر المسلمين الاخرين ورفع معنوياتهم؟!


* أى أنه صلّى الله عليه وسلم هو الذى طلب من أصحابه الهجرة للحبشة- (المترجم) .

<<  <   >  >>