للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا المسلم شخصا مهما نافذا، أما ان كان أقل شأنا فان أبا جهل يمارس عليه ضغطا اقتصاديا، وأما ان كان المسلم رقيق الحال لا سند له عاقبه عقابا بدنيا بشعا. ولأن معظم عشائر قريش كانت منيعة الجانب بدرجة تجعلها قادرة على احداث ازعاج خطير أو ما هو أسوأ من ذلك- اذا تعرض أحد أفرادها أو حلفائها لمعاملة سيئة، فان أولئك الذين تعرضوا لعقاب بدنى قاس كانوا قلة وكانوا من العبيد، أو ممن ليس لهم ارتباطات عشائرية واضحة (مثل خباب بن الارت) . وكان من الممكن من الناحية الرسمية أن تخلع احدى العشائر أحد أفرادها أو حلفائها (أى تتبرأ منه) :

لكن هذا الاجراء كان يقلل من شرف القبيلة. ويبدو أن شيئا كهذا حدث لأبى بكر لأننا رأيناه يقبل حماية ابن الدغنه «٣٥» ونسمع أيضا عن طلحة وأنه هو وأبى بكر قد ارتبطا معا. وعلى أية حال، فان عشيرته تيم لم تكن قوية. وربما كان محمد صلّى الله عليه وسلم هو أيضا قد حرمته عشيرته من حمايتها وقت زيارته للطائف لأنه لاقى معاملة سيئة هناك؛ ولأنه طلب حماية أحد أفراد العشائر الاخرى قبل أن يدخل مكة مرة أخرى.

ان أفعال أبى جهل، وأفعالا أخرى مشابهة، لا شك فى حدوثها، وأشارت اليها المراجع عند حديثها عن الفتنة التى تعرض لها المسلمون.

وعلى أية حال، فان هذا ليس اضطهادا قاسيا. وتتضح هذه النقطة عند دراسة التفاصيل فى السيرة لابن هشام، وكتاب الطبرى وطبقات ابن سعد. فهذه المراجع لم تذكر سوى أسوأ الحالات أو ما هو مفترض أنه أسوأ الحالات، ولم تذكر أن ذلك هو الوضع العام أو المعدل العام.

فكل الشواهد تجعلنا نفترض أن الاضطهاد لم يكن عنيفا. فما ذهب اليه الباحثون الغربيون من اتهام بأن الحديث عن اضطهاد المسلمين عرض بشكل مبالغ فيه- هذا الاتهام لا يكاد ينطبق على المصادر الأولى. وربما كانت الأسئلة الرئيسية للمبالغة هى تلك التى تتناول الحالات التى تبين تمسك الشخص بعقيدته واستعصائه على الردة.

وتوضح المواد التى بين أيدينا مظاهر المعارضة المختلفة كما وردت فى الفقرة المنقولة انفا عن ابن اسحق. فقد هوجم محمد (صلّى الله عليه وسلم) بالأقوال


(٣٥) ابن هشام، ٢٤٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>