لكن من الممكن ألا يكون منخرطا فى عداوة مريرة ضد محمد صلّى الله عليه وسلم، فقد كان أبو جهل هو الذى نظم تحالف العشائر العديدة ضد عشيرتى هاشم والمطلب. لكن فض هذا الحلف يشير الى وجود حزب قوى من المشركين كان أفراده غير مستعدين للانسياق وراء أبى جهل الى اخر المدى، ولا يمكننا الا بالكاد أن نقول شيئا عن أهدافهم المحددة فى معارضة محمد صلّى الله عليه وسلم.
وأحيانا كان يفترض أن أقوى الدوافع الكامنة وراء معارضة محمد صلّى الله عليه وسلم، هو الخوف من أن مكة اذا دخلت الاسلام وتخلت عن الوثنية توقف البدو عن التردد على الكعبة كمعقل وثنى وبالتالى تحطمت تجارة أهل مكة. الا أن هذا الفرض- على أية حال- غير مقنع. فليس لدينا ما يشير الى انتقاص توقير الكعبة فى القران أو فى أى نصوص اسلامية دينية أخرى، كل ما نعلمه هو تغير نسك العبادة عند الكعبة وتطهيرها (من الأوثان) بعد فتح مكة. لقد كان الهجوم الاساسى على الأوثان لا على الكعبة، كما كان الهجوم كما ذكرنا فيما سبق على نظم العبادة الوثنية عند بعض الأنصاب بالقرب من مكة. وربما كانت هذه الأنصاب المجاورة لمكة لا تكاد تكون من الأهمية بدرجة كافية تجعل هجرها أمرا كافيا لهدم تجارة مكة. فالحقيقة، أنه ربما كان قدر كبير من تجارة مكة قد أصبح فى هذه الفترة مستقلا لا يتأثر بزيارة البدو للكعبة أو الأنصاب الموجودة الى الجوار من مكة، وعلى هذا فمن المستحسن أن ننسى النظرية التى مؤداها أن المخاوف الاقتصادية كانت كامنة وراء الخوف من الهجوم على الأوثان.
والذى يكاد يكون مؤكدا هو أن هؤلاء النفر الذين كانت لهم ارتباطات تجارية ببعض الأنصاب قد تضايقوا؛ لأن مهاجمة هذه الأنصاب كانت تنطوى على هجوم عليهم. وكانت اللات فى الطائف من بين هده الأنصاب، وفى خطاب عروة الذى أوردناه فى الصفحات السابقة ما يفيد أن بعض القرشيين الذين كانت لهم ممتلكات فى الطائف هم الذين بدعوا المعارضة الفعالة لمحمد صلّى الله عليه وسلم. ومن الممكن بنفس القدر أنه كانت هناك مجموعات أخرى تأثرت مصالحها الخاصة ببعض النقاط التى تضمنتها دعوة محمد صلّى الله عليه وسلم.