وعلى أية حال، فالسبب الرئيسى للمعارضة كما يبدو مؤكدا هو أن زعماء قريش رأوا فى نبوة محمد- اذا ما اقروها- مضامين سياسية.
فالتقاليد العربية القديمة تعطى الحكم أو الزعامة فى القبيلة أو العشيرة له (لمحمد صلّى الله عليه وسلم) مادام (بحكم نبوته) هو الأكثر حكمة وتدبيرا وهو الاكثر قدرة على الفصل فى أى نزاع ينشب. واذا صدق المكيون تحذيرات محمد صلّى الله عليه وسلم وأرادوا بعد ذلك أن يعرفوا كيف يدبرون أمورهم فى ضوئها، فمن هو أفضل من يستشيرونه غير محمد؟! الذى لا شك فيه أنهم تذكروا العلاقة بين اعتناق عثمان بن الحويرث للمسيحية ومحاولته أن يكون أميرا لمكة. وحتى اذا كان محمد حريصا على أن يكون مجرد نذير، فربما فكروا، هل سيكون محمد صلّى الله عليه وسلم قادرا على مقاومة القبض على زمام السلطة العليا اذ أتاحت له الظروف ذلك؟
وربما كان زعماء قريش من بعد النظر بمكان بحيث يدركون التعارض بين قيم القران الكريم من ناحية ونشاطاتهم التجارية- التى كانت بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت- من ناحية أخرى. فلم تكن هناك أية اشارة لتحريم الربا حتى بعد الهجرة بمدة طويلة، لكن كان هناك منذ البداية نقد لاتجاهاتهم الفردية نحو احراز المال واكتنازه. لا بد أن هذا كان يدور فى عقول ماليى مكة حتى ولوا تحاشوا مناقشته علنا. ربما شعروا أن هذه القيم القرانية ستعطى محمدا دعما سياسيا ان هو فكر فى القيادة السياسية. بل وربما شعر بعضهم أن هذه القيم القرانية المتعلقة بالمال ما هى الا اعادة فتح للنزاع القديم بين مخزوم وأتباعها من ناحية، وعشائر حلف الفضول من ناحية أخرى.
وعندما نضع فى الاعتبار هذه الخلفية الكامنة وراء المعارضة لمحمد صلّى الله عليه وسلم أمام نواظرنا، فلن نفهم أن هجوم القران على الوثنية كان ليمر دون مقاومة. لقد كان العرب بطبيعتهم أو بحكم نشأتهم محافظين، ويصف القران الكريم فى مواضع كثيرة الوثنيين الذين تمسكوا بوثنيتهم بأنهم لا يفعلون ذلك الا لمجرد أن اباءهم كانوا على هذا الدرب سائرين. وقد ظل هذا الاتجاه المحافظ حتى بعد فترة من ظهور الاسلام فكلمة (بدعة) هى الكلمة التقليدية التى تستخدم لتعنى الهرطقة. وهذا الاتجاه المحافظ