أخرى، فيبدو أن صلاة الليل كانت الى حد كبير منتشرة (رائجة)«٣١» .
وكانت بقية أركان الاسلام فى هذه الحقبة معروفة، وهى: الصيام وايتاه الزكاة والشهادتان والحج، وان كانت أقل تطورا الى حد ما مما حدث بعد ذلك. بل لقد شهدت الحقبة المكية الماما بالأفكار الأساسية عن الله سبحانه واليوم الاخر والجنة والنار، وارسال الله سبحانه للرسل.
ويناقش بعض الباحثين الغربيين مدى صحة الروايات عن غالبية المتحولين الى الاسلام، ومالوا الى التأكيد على أن معظم المتحولين كانت دوافعهم فى الأساس مادية. وهذه مسألة من الافضل ألا نأخذ بها مادامت الأفكار الاسلامية تعتبر غريبة بالنسبة للغرب (يقصد أن الغربيين لم يفهموا روح الاسلام) . ربما كان صحيحا أنه كان هناك تحول قليل، وقليل من التقوى الحقيقية بالمفهوم السائد فى الغرب، لكن هذا يرجع الى أن الأفكار الغربية لا يمكن تطبيقها على مظاهر الدين فى الشرق الأدنى.
أما بالنسبة للمقاييس السائدة فى الشرق الأدنى فربما كان التحول (للاسلام) والتقوى أمرين صحيحين، فربما كان الاعلان عن الاسلام (دخول الاسلام) يعنى أمرا مهما بالنسبة للعربى فى ذلك الوقت، أكثر بكثير مما يعنيه لدى الغربى فى أيامنا هذه. فالدوافع المادية غير بعيدة عن الدوافع الدينية وربما كانتا متكاملتين. حقا، ان الأفكار الدينية من الضرورى أن تجعل البشر واعين بأوضاعهم العامة ككل وواعين بأهداف نشاطاتهم (أعمالهم) ، ففى حركة التفكير الدينى مع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجعلها- أى الحركة- واعية بذاتها. وهذه الفكرة (عدم انفصال الدين عن الدنيا) غالبا- وربما دائما- تعد حقيقة واقعة فى الشرق الأدنى. انها فكرة يراها الغرب غريبة. فغربة هذه الأفكار بالنسبة للغرب- على أية حال- لا يجب أن تعمى بصائرنا عن الحقيقة التى مؤداها أن الجوانب الدينية فى الاسلام كانت دائما مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجوانب الاخرى.
(٣١) كما تشير سورة المزمل (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) ..) .