ولأن هذا الدين الجديد قد ارتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمعات غير البدوية فى غرب شبه الجزيرة العربية، فقد كان قادرا على احداث تغيير اجتماعى عميق. ففى مكة والمدينة كانت الأخلاق البدوية والنظرة البدوية- على أية حال- مناسبة تماما للظروف البدوية التى ثبت انها غير صالحة لاقامة مجتمعات مستقرة. وفى مكة ربما كانت المشكلة الرئيسية متمثلة فى الفردية الأنانية، أما فى المدينة فقد كانت الحاجة الى قيام سلطة عليا تفرض العدل هى الأكثر وضوحا. وبمعنى من المعانى، فان انجاز الاسلام العظيم هو مواءمة الأخلاق البدوية لتصبح صالحة للمجتمعات المستقرة، وكان مفتاح ذلك هو وضع مبدأ جديد لتنظيم المجتمع. وحتى اليوم فان رابطة المجتمع اعتبرت هى رابطة الدم، لكن هذه الرابطة الأخيرة تعتبر ضعيفة جدا فى حالة المجموعات أو الجماعات الأكبر، فالأصل المشترك للأوس والخزرج لم يمنع الثارات المريرة بينهما، كما أن الولاء للمجموعة برهن على أنه وازع غير كاف للسلوك طالما أن النزعة الفردية فى حالة نمو.
من الصعب أن نصيغ هذا المبدأ الجديد الذى أدخله الاسلام بشكل محكم، لكن نواة هذا المبدأ هى فكرة (النبى) كمحور لتكامل المجتمع.
ان الواحدة الاجتماعية الجديدة قد تضم عشائر مختلفة (قد تكون ذوات قرابة بعضها ببعضها الاخر أولا) ، لكنها تترابط معا بمقتضى الحقيقة التى مؤداها أن النبى قد أرسل لهم جميعا. وعلى هذا، فان أفراد المجتمع يقع عليهم اطاعة أوامر الله لهم كما أوحاها الى نبيه. وعلى هذا وجد مبدأ التضامن ومبدأ السلطة العليا التى تعلو فوق الجماعات المتنافسة، أعنى النبى صلّى الله عليه وسلم أو- كما يمكننا أن نقول- كلمة الله. وتطور هذه الفكرة الجديدة يظهر واضحا فى القران الكريم، بازدياد استخدام كلمة (أمة) فى الايات التى نزلت فى فترة متأخرة. خاصة فى سياق الحديث عن اليوم الاخر، حيث يبعث الله كل أمة ويحاسبها وهذا لا يمنع من أن يلقى كل (فرد) جزاءه من ثواب أو عقاب وفقا لما يستحقه، وأشار القران الكريم الى (أمم) لم تصدق أنبياءها: