للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمسيحية (وربما غيرهما) على أهل مكة فى القرن السابع للميلاد، وليس على محمد (صلّى الله عليه وسلم) نفسه (بل وأكثر من هذا على القران الكريم) - هذه النزاهة تقتضى منا أن نقول أن هذا التأثير غير مؤكد، كما أنه قضية غير بسيطة، أى لا يمكن اطلاق القول فيها على عواهنه.

ووجود هذا التأثير غير المباشر، أو التأثير الناتج عن البيئة المشتركة لا يعنى أن التأثير المباشر يجب انكاره تماما. (المترجمان: تشابه بعض الأفكار فى الأديان الثلاثة يعنى أن لها جميعا مصدرا واحدا هو الله سبحانه، ولا يعنى أن أحد الأديان قد تأثر بالدينين الاخرين، بالمفهوم الدنيوى لكلمة التأثر) . وعلى أية حال، فالافكار لو كانت فى الهواء) in the air أى ليس لها بذور فى البيئة) لما استطاع محمد (صلّى الله عليه وسلم) أن يبلغها بسهولة للعرب (المترجمان: من المفهوم أن الاسلام دين عالمى نزل للعالمين، عرب وغير عرب، وحديث المؤلف هنا عن العرب فقط أمر اقتضاه السياق ولا أكثر) ، لذا فانه يبدو من الأفضل أن نفترض بشكل عام أنه لا بد أن نتعامل مع تأثيرات توحيدية فى بيئة مكة، وأن نفترض فقط أن التأثير المباشر لظهور داعية للتوحيد فى هذه البيئة يعد دليلا جيدا على ذلك. والجانب الرئيسى من هذا الدليل يتمثل فى الاشارة الى معلم يتحدث لغة غير عربية، فى سورة النحل:

«قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) ... » .

وتورى Torrey الذى بنى كثيرا من النتائج على هذه النقطة (ص ٤٣ وما بعدها) لاحظ أن محمدا (صلّى الله عليه وسلم) لم ينكر أنه «التقى بمعلم من البشر*، لكنه- أى محمد صلّى الله عليه وسلم- أكد على أنه تلقى تعاليم الاسلام من الله سبحانه» . واذا افترضنا أنه كان لمحمد صلّى الله عليه وسلم مثل هذا المعلم، فسيكون من الطبيعى جدا أن نربطه بشىء يبدو حقيقيا، وبالتحديد علاقة القران


* لا نقر أن الرسول صلّى الله عليه وسلم التقى بمعلم من البشر تلقى عنى أصول الدين وتشريعاته، أما اللقاء العابر ببعض اللاهوتيين دون تلق فهو ممكن- (المراجع) .

<<  <   >  >>