للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها: مه؟ - أى ما هذا- قالت: أصابنا ما أصاب الناس- تريد أن ابن مظعون قد أكرمها كما يكرم الزوج زوجته فى ساعة رضا. لكن يبدو أنها مرة وانتهى الأمر، فقد اتخذ عثمان بن مظعون بيتا (مستقلا) فقعد يتعبد فيه. فبلغ ذلك النبى فأتاه وطرق عليه الباب وقال له: (يا عثمان، ان الله لم يبعثنى بالرهبانية) وكرر مرتين أو ثلاثا، ثم قال: (وان خير الدين عند الله الحنيفية السمحة) .

ومع هذا، فعثمان بن مظعون صحابى جليل، هاجر الى الحبشة مرتين (أى الهجرتين) وحارب الى جوار الرسول فى غزوة بدر، وعن عائشة رضى الله عنها أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، وسالت دموعه على خده وكبر عليه أربع تكبيرات، وبكته زوجته وحزنت عليه ورأت فى منامها أن له عينا فى الجنة. وروى ابن سعد أيضا أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قلل بعض الشىء من شأن ابن مظعون بعد وفاته، على أساس أنه مات على فراشه ولم يقتل، وقد اعتمد وات على هذه الرواية لتأكيد وجود اتجاهات مختلفة بين جماعتين: جماعة أبى بكر ومنها عمر، وجماعة عثمان بن مظعون. هذا ما يتعلق بابن مظعون كما روته المصادر الاسلامية. هل نفهم من ذلك أن بعض الأفكار المسيحية لم تكن بعيدة عن البيئة العربية؟ هل كانت هناك فعلا اتجاهات فكرية مختلفة فى بواكير الدعوة بين أتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ هل لذلك علاقة بالهجرة للحبشة؟

واذا لم تكن حالة عثمان بن مظعون هى الحالة الوحيدة، فهل نفهم من هذا أن من بين المسلمين الأوائل من كان على ديانات سماوية سابقة على الاسلام، أكثر من العدد الذى نعرفه، وأنه جرى التركيز على الوثنية العربية فحسب- بعد ذلك- لاثبات الطفرة الحضارية الهائلة التى أحدثها الاسلام؟ وهل هذا الاتجاه اتجاه صحيح، أم أن الأفضل توضيح الحقيقة التى مؤداها أن الاسلام بالفعل كان يتعامل مع مختلف الديانات السماوية، بالاضافة للوثنية العربية، وكانت جميعا ممثلة فى شبه الجزيرة العربية، وفى مجتمعى مكة والمدينة؟ ليس من هدفنا تقديم اجابات لهذه الأسئلة وانما نطرحها ليخلص القارىء بعد قراءته لهذا الكتاب بما يشاء.

<<  <   >  >>