للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فى نشوء مفهوم التوحيد عند محمد (عليه الصلاة والسلام) ، ومع هذا فقد كان للصحراء الدور الأول فى ظاهرة الاسلام ككل. ومع ذلك، فقد كانت مكة والمدينة كجزيرتين فى بحر من الصحراء، أو على الأصح كمناطق سهوب، وكان لهما صلات اقتصادية وثيقة بالبدو وكان يسكنهما أحفاد للبدو لا زالوا يحتفظون بكثير من العادات التى اكتسبها أسلافهم من الحياة فى الصحراء، لهذا لا مفر من أن نولى الصحراء بعض الاهتمام.

تعتمد حياة البدو على تربية الأنعام، وبالذات الابل، وفى سهوب شبه الجزيرة العربية يمكننا أن نميز عدة أنواع من الأرض لا يهمنا منها الا نوعان، الأول هو تلك الأراضى التى تكون فى الصيف قاحله رملية، ولكنها فى الشتاء، بعد سقوط الأمطار- وهو الفصل الذى يسميه العرب الربيع*- يكتسى بنبات أخضر حلو المذاق وخاصة فى الوديان، مما يجعلها جنة للابل.. ثم هناك المناطق التى تنمو فيها الأشجار المعمرة والشجيرات- بشكل طبيعى- أغلبها عطرى الرائحة. ويفسر هذان النوعان من الأرض الحاجة الى حياة الهجرة، فبمجرد سقوط الأمطار (بالرغم من أنها غير منتظمة الى حد ما) ، تصبح الأرض التى من النوع الأول أفضل مرعى للابل، ولكن عندما يضمحل هذا المرعى ويختفى بدخول الصيف، يصبح على البدو أن ينتقلوا الى الأرض التى من النوع الثانى، ويعتمد البدو عندما يكونون فى النوع الأول من الأرض على الابل فى الشراب والطعام، أما عندما يكونون فى النوع الثانى فهناك ابار، وان كانت تستخدم عادة لشرب الابل أكثر مما تستخدم للاستهلاك الادمى. وفى الحالتين يعتبر اللبن هو الوجبة الرئيسية للبدوى، بالاضافة الى التمر الذى يحصل عليه من الواحات. كما انه يأكل اللحم بين الحين والاخر، أما الحبوب فكانت ترفا مقصورا على الأغنياء والعظماء.

ويعتمد البدوى الى حد ما على الأراضى المأهولة بالسكان، ولا يرى فى السرقة أية جريمة، سواء كانت بالاغارة على واحة أو على قافلة،


* الكاتب يقرب المعنى لقرائه الأوربيين لاختلاف الفصول عن أوربا.

<<  <   >  >>