ولما كان البدوى عادة هو المقاتل الافضل فى المناوشات التى تحدث أثناء عمليات السطو هذه، فقد كان الزراع والتجار غالبا ما يلجأون الى احدى القبائل الصحراوية لحماية مساكنهم وأرضهم وقطعانهم ولتأمين قوافلهم فى مقابل مال يدفعونه لهم، وكانت هذه الأموال تمثل بالنسبة لكثير من البدو مصدرا منتظما للدخل، وهكذا كان فى مقدور البدوى أن يستمتاع ببعض منتجات الحضر.
وفى المنطقة التى تهمنا كانت هناك زراعة فى الواحات وبعض المناطق المرتفعه فى الجبال، وكان المحصول الاساسى فى الواحات هو التمر، فى حين كانت الحبوب المحصول الهام فى المناطق الجبليه مثل الطائف. وكانت يثرب (التى عرفت فيما بعد بالدينة) فى زمان محمد (عليه الصلاة والسلام) واحة كبيرة ومزدهرة. وكان هناك عدد من المستعمرات الزراعية اليهودية مثل خيبر، بينما كان الحال فى مكة على العكس تماما، اذ كانت الزراعة هناك مستحيلة تماما، وهذه حقيقه يجب أن نتذكرها دائما. وكانت اليمن- وان كانت لا تدخل فى نطاق اهتمامنا الحالى- بلدا زراعيا خصبا تستخدم فيها وسائل الرى الاصطناعى من قديم الزمان، ومن المعتقد الان أنها الموطن الأصلى للساميين أو على الأقل «بلد المنشأ» و «أول موطن منفصل»«١» .
ومن المؤكد أن التراث العربى فى فترة ما قبل الاسلام قد تضمن الكثير من ذكريات الأرض الخصبة فى الجنوب. ولا شك أن هذه الصلة بالأرض الخصبة قد ساهمت فى الثقافة العربية فى زمان محمد (عليه الصلاة والسلام) ، ولكن لم تؤد دراسة هذا التأثير الى أى نتائج مؤكدة حتى الان.
كانت مكة، مسقط رأس محمد (عليه الصلاة والسلام) وموطنه لنصف قرن، مدينة تجارية تقع فى وسط صخور قاحلة، وقد كان نمو مكة كمركز تجارى نتيجة وجود الحرم، أو المنطقة الحرام، حيث كان الناس يأتون اليها امنين من أى تحرش، كما كانت الظروف الجغرافية