أيضا فى صالحها، فقد كانت تقع فى ملتقى الطرق من اليمن الى الشام ومن الحبشه الى العراق، لهذا كان البدو ياتون الى مكه للحصول على البصائع التى كانت تأتى مع القوافل من أركان المعمورة الأربعة، وربما كان أهل مكة فى البداية مجرد وسطاء وتجار تجزئه ولم يكونوا المستوردين أو أصحاب العمل المنظمين للقوافل، ولكنهم فى نهاية القرن السادس الميلادى كانوا يتحكمون فى معظم التجارة بين اليمن والشام، وهو طريق هام كانت تمر به بضائع الترف الهندية الى الغرب وكذلك اللبان والبخور من جنوب شبه الجزيرة العربية. وكانت الطائف تنافس مكة فى التجارة، ولكن من الواضح أن موقف مكة كان هو الأقوى.
كانت مكة أكثر من مجرد مركز تجارى، فقد كانت مركزا ماليا، ولا يبدو أن أحدا من الدارسين على علم أكيد بالتفاصيل مثل لامانس، «١» Lammans ولكن من الواضح أن عمليات مالية على درجة لا بأس بها من التعقيد كانت تتم فى مكة، وكان زعماء مكة فى زمان محمد (عليه الصلاة والسلام) رجال مال قبل كل شىء، مهرة فى ادارة شئون المال، ذوى دهاء، وكانوا مهتمين بأى مجال لاستثمار مربح لأموالهم من عدن الى غزة أو دمشق، ولم يكن أهل مكة واحدهم الذين وقعوا فى الشبكة المالية التى نسجوها، ولكن أيضا كثير من كبار رجال القبائل المحيطة بها.
وهكذا لم يظهر القران فى جو الصحراء بل فى جو اقتصادى مالى على درجة عالية من التعقيد.
بقيت نقطة أخرى، هل كان ظهور دين جديد فى الحجاز وانتشاره بعد ذلك بين العرب ثم انتقاله الى فارس والشام وشمال أفريقيا له ارتباط بأى تغير اقتصادى كبير؟ تقول احدى الاجابات ان الجفاف المتزايد فى البادية العربية وما أدى اليه من جوع كان الدافع الذى دفع العرب فى طريق الغزو، لندع الان جانبا وبصفة مؤقتة مسألة التغير الاقتصادى، ونكتفى بالقول بأنه ليس هناك دليل يوثق به على حدوث أى تدهور فى الظروف المناخية للبادية، وكانت الحياة فيها محتملة، فقد سمعنا عن
(١) انظر، Mecque: صفحة ١٣٥/ ٢٣١ وما بعدها- (المؤلف) .