للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فى نفس الوقت كانت هناك ظاهرة جديدة هامة فى مكة، وهى ظهور الاحساس بالواحدة على أساس المصالح الماديه المشتركة، وكانت هذه الظاهرة، وليس انتماؤهم الى قريش، هى التى أدت الى ما حدث من صراع بين الأحلاف والمطيبين، وكانت هذه الظاهرة أيضا هى التى أدت الى تناسى المنافسات وانشاء «حكومة ائتلاف» بعد هزيمة بدر.

وأهمية ذلك فى أنها تدل على ضعف روابط قرابة الدم، وتدل على وجود فرصة لتأسيس واحدة أوسع نطاقا على أساس جديد.

واذا أردنا أن نبحث عن تغيير اقتصادى مرتبط ببداية الاسلام، فان علينا أن ننظر هنا (تعنى كلمة «ارتباط» هنا شيئا يختلف تماما عن العلاقة بين الدين والنظريات الخاصة بالعوامل الاقتصادية كما ينادى بها الماركسيون) . فبزيادة ثروة مكة وقوتها، انتقل اقتصادها من اقتصاد بدوى الى اقتصاد تجارى ورأسمالى. وفى زمان محمد (صلّى الله عليه وسلم) ، لم يكن قد حدث أى تغيير فى الاتجاهات الاجتماعية والأخلاقية والفكرية والدينية للمجتمع التى كانت لا تزال تناسب الجزء الأكبر من المجتمع البدوى، وكان التوتر الذى شعر به محمد (عليه الصلاة والسلام) وبعض معاصريه لا شك فى النهاية نتيجة لهذا التناقض بين الاتجاهات الواعية للرجال والأسس الاقتصادية لحياتهم. وسنضطر الى الحديث عن هذا التوعك (الخلل) فى الأمة بتفصيل أكثر فيما بعد*.


* لعل المؤلف استخدم كلمة التوتر Tention كترجمة لكلمة «الضيق» الذى كان الرسول عليه الصلاة والسلام يشعر به نتيجة لموقف قومه من الدعوة: ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون (الحجر ٢٧) . فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك، انما أنت نذير، والله على كل شىء وكيل (هود ١٢) . ومما ورد فى الايتين نرى أن ضيق رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان لرفض قومه الايمان برسالته وموقفهم المعاند من الدعوة. وقد يصدق استنتاج المؤلف بالنسبة للرافضين للدعوة، أما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم تكن له أى مصالح اقتصادية فى أية مرحلة من حياته، فأبوه كان فقيرا كما هو ثابت فى مراجع السيرة، حتى ان مرضعات بنى سعد رفضن حضانته لعدم توقعهن فائدة كبيرة من وراء ذلك لفقر أبيه ويتمه، وكان عمه أبو طالب الذى كفله بعد وفاة جده عبد المطلب أيضا فقيرا، وعاش الرسول حياته كما وصفتها السيدة عائشة رضى الله عنها فى قولها: كان يمر علينا الهلال بعد الهلال لا يوقد فى بيتنا نار، وانما نعيش على الأسودين: التمر والماء.

<<  <   >  >>